بسم الله الرحمن الرحيم
أما بعد : فالسؤال الذي يطرح نفسه في هذه الأيام ما عقيدة طالبان ؟ هذا السؤال الذي طالما لبَسَ في الجواب عليه كثيرون ، بل وكذب فيه آخرون ، لأنه مما يفسد عليهم أصلهم الكلي العام الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه – عندهم – وهو : نتعاون فيما اتفقنا عليه ، ويعذر بعضنا بعضاً فيما اختلفنا فيه . لقد كتب روجر هاردي خبير شؤون الشرق الأوسط في إذاعة لندن عبر موقعها على الإنترنت مقالاً قارن فيه بين دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب وحركة طالبان ، ولقد قال فيه كلاماً لا يعرفه كثير ممن ينتسب للعلم في هذا الزمان – من هذه البلاد أو من غيرها – فضلاً عن عوام الناس ، وإليك ما قال : بعنوان : تحليل: ( مذاهب إسلامية متشددة ) . أسامة بن لادن الذي يتهمه المسؤولون الأمريكيون بتدبير الهجمات على نيويورك وواشنطن في 11 سبتمبر/أيلول الحالي سعودي ووهابي المذهب ، ويثير هذا تساؤلاً كثيراً من الناس عن "الشخصية الوهابية" وهل هي شكل موروث من أشكال الإسلام الراديكالي . ويستخدم مصطلح "وهابي" في أغلب الأحيان بطريقة غير دقيقة ، فوسائل الإعلام الروسية - على سبيل المثال - تستخدم المصطلح كتعبير مسيء عن النشطاء الإسلاميين في آسيا الوسطى والقوقاز وفي روسيا ذاتها، بنفس الطريقة التي تستخدم بها وسائل الإعلام الغربية المصطلح المزري الغامض " الأصولية الإسلامية " . ومصطلح "الوهابية" في الحقيقة يشير بدقة إلى حركة إحياء إسلامية انتشرت في الجزيرة العربية في القرن الثامن عشر ، وقد شعر مؤسس الحركة محمد بن عبدالوهاب -مثل غيره من الإحيائيين- أن ممارسة الإسلام في المنطقة ابتعدت عن أصولها النقية . ((( الوهابيون يحكمون ))) ولا يستخدم السعوديون مصطلح "وهابي"، ويفضلون أن يسموا أنفسهم بدلا من ذلك بالموحدين . وقد أسست الدولة السعودية الحديثة في القرن الثامن عشر بالتحالف بين الحركة الوهابية الدينية وأسرة آل سعود، وهي العائلة التي مازالت تحكم المملكة السعودية منذ الثلاثينيات من هذا القرن ، وفي الممارسات اليومية في السعودية تفرض السلطة الدينية الممثلة في العلماء فصلاً صارماً بين الرجال والنساء، وتمنع بيع الخمور واستهلاكها، وتمنع النساء من قيادة السيارات ، ويشرف على تطبيق هذه القواعد "المطوعون" الذين يمثلون الشرطة الدينية، وهم يتجولون في الشوارع والمراكز التجارية في المملكة بحثاً عن أي شخص ينتهك هذه القوانين . ((( نهج طالبان ))) وهناك أوجه تشابه بين التفسير السعودي للإسلام والتفسير الذي تتبناه حركة طالبان الحاكمة في أفغانستان وتمثل حركة طالبان هي الأخرى شكلاً صارماً من أشكال المذهب السني في الإسلام، والقيود التي تفرضها الحركة على النساء – مثلاً - أكثر تشدداً من السعودية . ( ولكن حركة طالبان ليست حركة وهابية !!!، بل تنتمي الحركة إلى ما يعرف بحركة ديوباندي!!! نسبة إلى بلدة ديوباند الصغيرة التي تقع في منطقة الهيملايا بالهند !!! ) وقد أسست الحركة في هذه البلدة في عقد الستينيات من القرن الماضي خلال فترة الاحتلال البريطاني للهند ومع مرور الوقت اتسع نطاق الحركة فضمت بين جنباتها المسلمين الذين يرغبون في الابتعاد بأنفسهم عن السياسة، وآخرين مثل طالبان ممن يمثلون اتجاهاً سياسياً متشدداً . ( وقد يكون من الخطأ اعتبار أسامة بن لادن أو طالبان نموذجا للحركات الإسلامية السنية الحديثة إذ إنهما يعدان حركة راديكالية متشددة ولا يمثلان تيار السُنة العام ) .أ.هـ وقد يقول قائل – وحق له أن يقول – : لماذا أخذت بقول هذا الكافر ضد المسلم ؟ ألا يمكن أن يكون هذا الكلام من هذا الكافر ليشوه صورتهم أمام المسلمين ؟ ألأن هذا الكلام وافق هواك ، وشيئاً في نفسك ؟ والجواب : كلا ، وألف كلا ، فإن الرقيب حاضر ، والكلام محسوب ، في كتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها ، لكنها – وللأسف – معطيات الواقع هي التي تدل على ذلك . فأولاً : إن واقع العالم الإسلامي – بما فيه من شرك وبدع – يجعل الأصل في كل دعوة في العالم الإسلامي المخالفة للسنة والجماعة وطريقة السلف الصالح ، فإن الأصل بقاء الشيء على ما كان عليه ، اللهم إلا أن يبين أصحابها ويجهروا بتبني المنهج السلفي الصحيح ، فإن من رُمِيَ بتهمة – هو براء منها – لا يرتاح له بال ولا يقر له قرار حتى يدفع التهمة عن نفسه ، فأين طالبان من هذا ؟!!!. ثانياً : إن طالبان قد حكمت البلاد منذ عدة سنوات ، واعترفت بهم هذه البلاد ، ولا يمتري أحد في أن هذه البلاد هي الوحيدة – وفقها الله – التي رفعت راية الدعوة إلى التوحيد والسلفية ، ولاشك أن كل سلفي موحد في هذا الزمان يجد أن الملجأ له بعد الله في هذه الأيام إنما هو في هذه البلاد المباركة – حرسها الله – سواء عند ولاتها أو علمائها أو الصالحين من أهل المال فيها ، فلماذا لم تضع طالبان يدها في يد علماء هذه البلاد ، إن كانت سلفية حقاً ؟؟!!! ، إن الدعاة من هذه البلاد يجوبون بلاد العالم شرقاً وغرباً ، فلماذا لم تطلب طالبان من هذه البلاد أن يقدم إليها العلماء والدعاة ، حتى يعلموا الناس التوحيد ، وينشروا السنة ؟؟!!! . ثالثاً : ما هذه الدعوة التي بيدها عصى موسى ، فحولت متعصبة الأحناف ، والصوفية والقبورية ، إلى دعاة للتوحيد والسنة ؟!!! ، لقد سمعنا – وسئمنا – في الحرب الأفغانية مع السوفيت التضخيم الإعلامي ، ولكن في تلك المرة ليس التضخيم من وسائل إعلام الغرب كما تعودنا ، بل ممن يسمون بالإسلاميين ، فكم وكم هي الكتب التي طبعت في كراماتهم وكمالهم ، وزهدهم وورعهم ، حتى كادوا أن يكون مع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كفرسي رهان ، وما إن تكشّفَ المَستور وسقط الزور ، إلا ورأينا أولئك الملائكة البشرية ، قد انقلبوا إلى شياطين أرضية ، فأريقت الدماء ، وقطعت السبل ، وتمالأ بعضهم مع الشيعة الأنجاس ، والآخرون مع أعدائهم الشيوعيين الأرجاس من أمثال دوستم وزمرته الأوباش ، وكم كانت طعنة أصابت منا المقتل صور أسد بانشير – أحمد مسعود – وهو يطوف في أوربا بأإمة الكفر من ملحدين ونصرانيين يستجديهم ويصتنصرهم على إخوانه المسلمين ، فيا مقلب القلوب ثبت قلوبنا على طاعتك . إن المؤمن لا يلدغ من جحر مرتين ، وهؤلاء يُلدغون من الجحر الواحد مرات تلو المرات ، ثم يريدوننا أن نشاركهم تبلد أحاسيسهم ، وغياب عقولهم ، نعوذ بالله من موت القلوب . رابعاً : إن الجميع من الدعاة – على الأقل في هذه البلاد – يعلمون أن الدعوة السلفية في أفغانستان قد نشأت على يد الشيخ – المقتول غدراً والمخذول من الكثيرين ظلماً – المجاهد الإمام جميل الرحمن – رحمه الله – في ولاية كُنر ، ثم تحزبت عليه الأحزاب التي ما اجتمعت قط إلا على حرب الموحدين والسلفيين ، ثم رموه عن قوس واحدة ، فعاقبهم الله بعدها بأن صاروا شيعاً يذيق بعضهم بأس بعض ، ثم أسقطهم الله جميعاً ، وأذلهم بعد عزهم ، كما فعل سبحانه بالعثمانيين لما اعتدوا على الموحدين في جزيرة العرب . فبالله عليكم يا من تعقلون – يا من تتبجحون بالفكر الإسلامي وما ثمت فكر – من أولى الناس بالنصرة لو كانت طالبان سلفية ، أليست جماعة الشيخ جميل الرحمن ؟ أليسوا إخوانهم السلفيين لو كانوا حقاً سلفيين ؟!! إننا لم نر ، ولم نسمع شيئاً من ذلك ، قال سبحانه ( وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ) (التوبة: من الآية71) ، بل الذي نعلمه أن الاخوة السلفيين هناك يستخفون بدينهم ، فحسبنا الله ونعم الوكيل . خامساً : من البدهيات عند كل عارف بحال العالم الإسلامي أن النسبة إلى الوهابية ، أو السلفية ليست من المدح في شيء عند عموم المسلمين ، بل هي مذمة وتهمة تلصق بكل من دعا إلى التوحيد والسنة ، فلو كانوا في طالبان على عقيدة التوحيد الصحيح التي دعا لها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وجدد الدعوة إليها ابن عبد الوهاب – جزاه الله عن المسلمين خيراً – لو كانوا كذلك هل يتصور أن تسكت عنهم المعارضة الشمالية ، التي ما تركت وسيلة شرعية أو غير شرعية إلا وسلكتها في حربها مع طالبان ؟؟؟. إنه كان من أسهل الوسائل وأنجعها أن توصم الحركة بأنها وهابية – لو كانت كذلك – حتى يتألب عليها الجميع ويتحزبوا كما حصل مع جماعة جميل الرحمن – رحمه الله – ولكننا أيضاً لم نر ، ولم نسمع شيئاً من ذلك . سادساً : لقد أصبحت أكبر الجماعات الصوفية والقبورية في باكستان بين يوم وليلة من أكبر المؤيدين لدعوة التوحيد والسنة أو ما يسمى زوراً وبهتاناً بالوهابية !!!! فبالله عليكم لو كانت جماعة طالبان سلفية أو وهابية كما يقولون ، هل ستنصرها الجماعات الباكستانية ؟؟؟ أم إن الجماعات الباكستانية هي الأخرى تحولت بين غمظة عين وانتباهتها إلى السلفية ؟؟؟ هذه هي باقعتهم القادمة التي ننتظر منهم أن يأتوا بها في المرحلة القادمة ، فإنهم اعتادوا أن يستخفوا بنا ونطيعهم . سابعاً : لقد هزت طالبان العالم بإعلانها العزم على كسر الأوثان وهدمها ، ثم ضربت بكلام العالم المخالف عرض الحائط ، وسارت فيما أعلنته ، حتى هدمت الأوثان ، وسوتها بالتراب – نرجو الله أن يكون عملهم خالصاً لوجهه – فصاح صغار العقول وسفهاء الأحلام : ( الله أكبر الله أكبر قامت الدولة السلفية ، قامت الدولة السلفية ) لمجرد أنها هدمت الأوثان !!! ولو سألت أعظم الناس شركاً في هذا الزمان ممن يهرف بلا إله إلا الله ، وهو لا يعرف معناها فضلاً عن أن يعمل بمقتضاها ، لو سألته عن فعل طالبان في هدمهم الأوثان ؟! لعد ذلك من مناقبهم ومحاسنهم ، فأي دليل في هدم طالبان للأوثان على سلفيتهم المزعومة . إننا لم نسمع عن هذه الأوثان إلا بعد أن أثارت طالبان تلك القضية ، ولم نسمع عن أحد من الأفغان أنه عبد تلك الأصنام من الوثنيين فضلاً عن من ينتسب للمسلمين ، ولكننا سمعنا وشاهد الكثير منا مظاهر الشرك والبدع في تلك الديار ، من القبور والأضرحة التي يطاف بها وتصرف لها أنواع العبادة من دون الله ، فواعجباه عجباً لا ينقضي !! ما الأولى بالهدم أصنام لا تعبد ولا حتى من الوثنيين ، أم قبور تعبد ممن ينتسب للمسلمين ؟؟!! وإليك صورة حديثة بثتها قناة الجزيرة ، في هذه الأيام بتاريخ 22/7/1422هـ لأفغان يدفنون قتلاهم من جراء القصف الأمريكي ، يظهر فيها البناء على القبور وتعظيمها . وعنوان الموقع هو :
http://www.aljazeera.net/news/asia/2001/10/10-10-2.htmفانظر – وفقك الله للنظر بعين البصيرة – إلى هؤلاء الأفغان في مقبرة لهم وقد بني على أحد القبور في يسار الصورة ، فأين طالبان السلفية ؟!! أسأل الله أن يهديهم وأن يردهم إلى الحق رداً جميلاً ...............آمين . والسلام .