لليلة النصف من شعبان منزلة كريمة، ومكانة عظيمة، فهى إحدى ليالى الشهر الذى ترفع فيه الأعمال إلى رب العالمين. وقد وردت نصوص من الأحاديث النبوية الشريفة توضح فضل ليلة النصف من شهر شعبان وكل حديث يوضح فضلا وفائدة، وينبه على أمر مهم من ذلك: ما روى عن الدارقطنى وابن ماجة ـ بالسند الحسن ـ عن على كرم الله وجهه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا كانت ليلة النصف من شعبان فقوموا ليلها وصوموا نهارها، فإن الله تعالى ينزل فيها إلى سماء الدنيا فيقول ألا من مستغفر فأغفر له؟ ألا من مسترزق فأرزقه؟ ألا من مبتلى فأعافيه؟ ألا كذا ألا كذا حتى يطلع الفجر». وفى هذا الحديث ما يفيد بأن الله تعالى يجيب فى هذه الليلة دعاء السائلين، ويحب من عباده أن يتوجهوا إليه بالدعاء. وروى الطبرانى عن معاذ بن جبل قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يطلع الله على عباده ليلة النصف من شعبان فيغفر لجميع خلقه إلا لمشرك أو مشاحن ـ وفى رواية أو قاتل نفس»، وفى هذا إبعاد للمشرك والمشاحن وقاتل النفس من أن يحظى بفضل الله تعالى فى هذه الليلة. روى الترمذى فى النوادر ـ والطبرانى وابن شاهين من حديث عائشة رضى الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «هذه ليلة النصف من شعبان يغفر الله للمستغفرين ويرحم المسترحمين ويؤخر أهل الحقد على حقدهم»، وفى هذا تأخير وإبعاد لأهل الحقد فلا حظ لهم فى فضل الله، لأنهم حاقدون على عباده كارهون الخير لهم. وروى البيهقى عن عائشة رضى الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أتانى جبريل عليه السلام فقال: هذه ليلة النصف من شعبان ولله فيها عتقاء من النار بعدد شعور غنم بنى كلب (وهى قبيلة كبيرة) لا ينظر الله فيها إلى مشرك ولا إلى مشاحن ولا إلى مسبل ولا إلى عاق لوالديه ولا إلى مدمن خمر، قالت: فسجد طويلا وسمعته يقول فى سجوده (أعوذ بعفوك من عقابك، وأعوذ برضاك من سخطك. وأعوذ بك منك، جل وجهك لا أحصى ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك)، وفى هذا إبعاد للمشرك والمشاحن والمتكبر والعاق لوالديه ومدمن الخمر لسلوكهم طريق الشيطان وبعدهم عن طاعة ربهم. وأما عن الدعاء المشهور: فقد أخرجه ابن أبى شبيبة فى (المصنف) وابن أبى الدنيا فى (الدعاء) عن ابن مسعود رضى الله عنه وورد كذلك عن ابن عمر قال: ما دعا عبد قط بهذه الدعوات إلا وسع الله فى معيشته: «اللهم ياذا المن ولا يمن عليه. إلخ» أخرجه ابن جرير وابن المنذر والطبرانى عن ابن مسعود، وإخبار عمر رضى الله عنه بتوسعة المعيشة لمن دعا به لا يكون إلا بتوقيف نبوي.. وفى آخر الدعاء بعض كلمات أضافها بعض العلماء الصالحين رحمهم الله، ويمكن تجاوز العبارة التى تقول (التى يفرق فيها كل أمر حكيم ويبرم) إذ هى ليلة القدر. ومن أهم الأحداث فى هذه الليلة: حدث تحويل القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة المشرفة، حيث كان اليهود قد أكثروا اللغط بسبب اتجاهه إلى بيت المقدس وكان يقلب وجهه فى السماء مبتغيا الأمر بالتوجه إلى الكعبة فنزل قوله تعالي: «قد نرى تقلب وجهك فى السماء فلنولينك قبلة ترضاها فول وجهك شطر المسجد الحرام.»، وفى تحويل القبلة من الكعبة أولا إلى بيت المقدس ثم من بيت المقدس إلى الكعبة المشرفة دلالات. منها: كان الاتجاه من قبل إلى الكعبة ثم أمر بعد الهجرة بالتوجه إلى بيت المقدس لعل اليهود يتبعونه ويوفون بعهدهم، وهى صورة من صور التسامح مع أهل الكتاب، وكم فى المعاملات الإسلامية من نماذج تؤكد هذا المعني، حتى يعيش الناس فى أمان، ويحيا الجميع فى سلام «وما جعلنا القبلة التى كنت عليها إلا لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه.». وفى تحويل القبلة إلى الكعبة المشرفة دعوة إلى توحيد الأمة، فالقبلة رابطة توحد المسلمين، إذ لو ترك كل إنسان يتجه حسبما يريد لكان الناس متفرقين، أما اتجاههم إلى قبلة واحدة فى مشارق الأرض ومغاربها ففى هذا معنى الوحدة والقوة والترابط، كما أن فى الاتجاه إلى بيت المقدس ثم التحويل عنه إلى الكعبة ما يشير إلى أن التقديس فى الإسلام ليس للأماكن، ولكن لله وحده «ولله المشرق والمغرب فأينما تولوا فثم وجه الله». وهكذا نرى أن لليلة النصف من شهر شعبان فضلها ومنزلتها فهى ليلة مباركة يقبل فيها الدعاء ويرحم الله فيها العباد ويقبل فيها توبة التائبين ويحقق رجاء القاصدين.