بسم الله الرحمن الرحيم
فوز لا تعقبه خسارة
الفوز أمر فطري تحببه النفس البشرية وتنافس عليه حتى لا تحظى بخسارة , فالخسارة مرارة تتجرعها النفوس وتعاني مرارتها ولو على المدى القصير , والإنسان في دنياه حريص على أن يظفر بالفوز فيما تنشده نفسه وتنافس عليه لكل محبب من متاع الدنيا ومغانمها ليحيا الإنسان فيها حياة السعداء ففي معظم الظنون أن الحياة هي قرة العيون , فنرى السباق على المناصب وجمع الثروات واعتلاء الشهرة على أشده بين الأغلبية من الناس بل إن السباق تبدل إلى صراع شرس غاب فيه الضمير وساء الخلق الكريم , فصار القوى يدوس على الضعيف لأجل لعاعة من الدنيا تفنى من بين أيدينا أو نفنى نحن دونها .
إن الفوز والخسارة أمران متعاقبان على الإنسان في حياته , فتارة فائز وتارة خاسر وما يلبث أن يهنأ بالفوز حتى تنغص نفسه خسارة , ولا تكدر حياته خسارة حتى يرضيه منها فوز وكل ذلك بتقدير الله عز وجل يعطي من يشاء ويمنع من يشاء , فالفوز والخسارة ملازمان الإنسان في حياته وكل حسب اجتهاده وسعيه , والسعيد من سعى في حياته ليفوز في آخرته , فكم من ساعي في الدنيا يرجو رحمة ربه ويخاف عقابه ويطمع بالفوز بالآخرة فيوفقه الله لذلك , وكم من ساعي قد شغلته الدنيا فافتتن بها وتعلق بحبها فكرس نفسه وبذل جهده ليظفر بها بأي حال من الأحوال متغافلا عما ينتظره من يوم تشخص فيه الأبصار , ومثل هذا لا يحرمه الله سعيه في الدنيا بل يؤتيه ما تمنى وسعى له , يقول الله تعالى : { من كان يريد العاجلة عجلنا له فيها ما نشاء لمن نريد ثم جعلنا له جهنم يصلاها مذموما مدحورا * ومن أراد الآخرة وسعى لها سعيها وهو مؤمن فأولئك كان سعيهم مشكورا } .
لذلك على الكيس الفطن أن يقدر للأمور قدرها ويأخذ من المكاسب أدومها وأخيرها ويسعى لفوز لا تعقبه خسارة فكل فوز في الدنيا تعقبه خسارة وكذلك العكس , فكيف نقتصر بسعينا لزائلة زائفة متقلبة الأحوال ونغفل عن باقية ثابتة دون زوال , إن لمن الخسارة أن نتحمس للفوز بالدنيا ونتهاون عن الفوز بالآخرة , وإنه لمن الحماقة أن نظن أن الفوز هو بالمراتب والمناصب العالية أو المال الوفير أو الشهرة الساطعة ونسعى لأجلها بالطلب فيما نغفل أو نتغافل عن الفوز العظيم وننصرف عن سلعة الله الغالية ( ألا إن سلعة الله غالية ألا إن سلعة الله هي الجنة ) فإن الجنة هي الفوز العظيم .
إن الفوز الحقيقي الذي لا خسارة تعقبه هو أن نكون سائرين إلى الله متمسكين بكتابه وسنة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم ملازمين للمساجد مداومين على قراءة القرآن , إن الفوز الحقيقي هو أن نسعى في الدنيا بما يرضي الله عنا بإتباع أوامره واجتناب نواهيه , إن الفوز الحقيقي هو النجاة من النار ودخول الجنة , يقول الله تعالى : { كل نفس ذائقة الموت وإنما توفون أجوركم يوم القيامة فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور } ذلك هو الفوز الذي لا تعقبه خسارة .
وصلى الله على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا
بقلم / أبو ياسرالحكمي