مقال علمي مدعم بالإلتزام الإسلامي سيوضح لنا مفاهيم كثيرة بخصوص نفس موضوعك رائد الأمة
تعبير الجنس الثالث ليس تعبيرا علميا دقيقا وإنما هو لفظ دارج يضع الناس فيه من لا ينتمون إلى الذكورة التقليدية المعروفة أو إلى الأنوثة التقليدية المعروفة, فكل من لديه غرابة أو شذوذ في مظهره أو هويته الجنسية أو سلوكه الجنسي يوضع في سلة "الجنس الثالث" لأنه ببساطة ليس رجلا بالمعنى السائد وليس أيضا امرأة بهذا المعنى فهو رجل في جسد امرأة أو امرأة في جسد رجل أو رجل أو امرأة لديهما ميول لنفس الجنس ...... الخ.
والآن نرجع إلى الرؤية العلمية الدقيقة لتعريف الاضطرابات والشذوذات التي تندرج تحت مظلة "الجنس الثالث":
أولا : الخنثى Hermaphrodite: هو مولود لديه أعضاء ذكورة وأعضاء أنوثة في نفس الوقت, ويحتار فيه أهله, أيعاملونه كذكر أم كأنثى, وهنا يأخذونه إلى الطبيب الجراح ليرى أهو أقرب للتركيب الأنثوي أم الذكري, ثم يقوم بإجراء عملية جراحية لتعديل تركيبة الجهاز التناسلي المميز لأقرب جنس له.
أما إذا لم تتم هذه العملية فإن الشخص "الخنثى" وأهله يكونون في حالة حيرة حيال "الهوية الجنسية" والدور الاجتماعي الذي يلعبه "الخنثى", وينتج عن هذا مشكلات نفسية واجتماعية وأخلاقية كثيرة، ما لم يحسم هذا الأمر طبيا.
ثانيا : المخنث أو الخنيث Transsexual: هو شخص يتصرف بعكس جنسه, فمثلا يكون من الناحية الجسدية رجلا مكتمل الرجولة ولكنه من الناحية النفسية يتصرف كأنثى أو العكس, أي أن هناك صراعا بين التركيب البيولوجي والميول النفسية الجنسية,
ومن هنا نرى هذا الشخص المخنث يرفض ويكره تركيبته (أو تركيبتها) الجسدية ويسعى جاهدا إلى تغييره إن أمكنه ذلك فنراه يذهب إلى جراحي التجميل يطلب منهم تحويله إلى الجنس الآخر من خلال عملية جراحية يتخلص بها من مظاهر الجنس الذي هو عليه ليكتسب مظاهر الجنس الآخر الذي يتمنى أن يتحول إليه وربما يستخدم هرمونات لتغير شكل الجسم وتركيبه فإذا كان بيولوجيا رجلا فإنه يستخدم هرمونات أنثوية تؤدى إلى نعومة الصوت ونعومة البشرة وبروز الثديين ويأخذ هيئة الأنثى في ملبسه وكلامه وحركاته،
وهذا الشخص يتصرف منذ طفولته طبقا لميوله النفسية والجنسية بصرف النظر عن تركيبته الجسدية فمثلا إذا كان ولدا نجده يميل إلى اللعب مع البنات والجلوس مع النساء والاهتمام بأشيائهن, وحين يصل إلى سن المراهقة يميل عاطفيا وجنسيا إلى الرجال,
وهنا تحدث المشكلة ويحدث الصراع, وهو يحاول أن يحسم هذا الصراع ويؤكد هويته من خلال عملية جراحية يتحول بها إلى الجنس الذي يريده, ولكن هناك مشكلات ومحاذير قانونية وأخلاقية واجتماعية تحول دون إتمام هذا الأمر,
وحتى المجتمعات المتحررة من الضوابط الدينية لديها ضوابط مهنية تشترط تحويل هذا الشخص (الذي يريد أن يتحول إلى جنس آخر من خلال عملية جراحية) إلى طبيب نفسي ليتأكد من خلوه من الاضطرابات النفسية الجسيمة (كأن تكون لديه ضلالات أو هلاوس أو أي حالات ذهانية تحتاج لعلاج طبي نفسي), وإذا تأكد خلوه من ذلك فإنه يعطى فرصة لمدة سنة كاملة على الأقل يعيش فيها دور الأنثى (أو دور الجنس الآخر عموما) ويمكن أن يعطى في هذه الفترة هرمونات أنثوية,
وبعد مرور فترة الاختبار هذه يحول هذا الشخص إلى جراح التجميل ليرى إمكانية تحويله إلى الجنس الآخر من الناحية الطبية الجراحية مراعيا في ذلك كل الضوابط القانونية في المجتمع الذي يعيش فيه .
وقد تم وتحويل بعض الحالات فعلا في بعض المجتمعات العربية وقد أثار ذلك جدلا هائلا على مستويات مختلفة وما زال هذا الأمر شديد الحساسية خاصة على المستوى الاجتماعي والأخلاقي والديني.
ثالثا: التشبه الجنسي Transvestism: حيث يتخذ الرجال هيئة النساء أو العكس وأكثر ما يكون ذلك في الملابس, فنجد الشاب يميل إلى أشكال الملابس النسائية وتسريحات الشعر النسائية أو نرى الفتاة تلبس ملابس الرجال وتقص شعرها مثلهم وكلا منهما يجد متعة وراحة في ذلك ولا يريد أكثر من ذلك,
فهما يعيشان حياتهما بشكل طبيعي ولكنهما فقط يريدان أخذ هيئة ا لجنس الآخر ويستمتعان بالتعليقات على هذه الهيئة حتى لو كانت جارحة. وبعض المتشبهين ربما لا تكون لديهم الجرأة لفعل ذلك علنا فيكتفون بارتداء ملابس الجنس الآخر في حجر اتهم المغلقة ويجدون متعة في ذلك, وبعضهم يكتفي بأن يلبس الملابس الداخلية للجنس الآخر تحت ملابسه العادية.
رابعا: الجنسية المثلية Homosexuality: وهؤلاء الأشخاص لديهم ميول جنسية إلى نفس الجنس أحيانا يمارسونها وأحيانا تظل فقط في نطاق الرغبة والميل يمنعهم عنها عوامل دينية أو أخلاقية أو اجتماعية.
وهم ليست لديهم الرغبة في التحول إلى الجنس الآخر وإنما يرغبون فقط في القيام بدوره العاطفي أو الجنسي, وبعضهم يستمتع بهذه الرغبة وبعضهم يتصارع معها ويبحث عن العلاج منها. وبعض أصحاب الجنسية المثلية يكون لديهم ميول أيضا نحو الجنس الآخر وهؤلاء يكونون قادرين على الزواج والإنجاب بشكل طبيعي رغم ميولهم الجنسية المثلية, ولذلك نطلق عليهم مزدوجي الجنسية Bisexuality
وربما يسأل سائل: ولماذا كل هذه الشذوذات أو الميول الغريبة؟ ..... وما ذنب الشخص المصاب بها؟ ..... وما مدى مسئوليته عن أي انحراف خلقي ينتج عنها؟ ..... وهل هو مريض فيعالج؟.....أم مبتلى فيصبر؟ .......أم شخص طبيعي تماما وهذه هي خياراته وتفضيلاته الجنسية وعلى المجتمع أن يقبلها ؟؟؟؟؟!!!!!!
والإجابة على هذه التساؤلات تختلف من ثقافة لأخرى, ونحن هنا سنتحدث من منظور ثقافتنا الإسلامية والعربية والتي تختلف بالطبع عن المنظور الغربي الذي اعتبر هذه الميول الجنسية المختلفة مجرد خيارات شخصية لها جذور بيولوجية تدخل تحت مظلة الحرية الشخصية وعلى المجتمع أن يتقبل هذه التنويعات في الرغبات والميول الجنسية.
أما من المنظور الإسلامي فإن من حكمة الله أن يخلق تنويعات مختلفة من البشر ذوى الميول المتباينة وذوى القدرات المختلفة في الذكاء والقوة والأخلاق وغيرها, وهذا التنوع يتيح حالة من التواصل والتفاعل الحي بين الذات والآخر المختلف قليلا أو كثيرا,
وفى هذا التنوع أيضا ابتلاء وفتنة لكي يميز الخبيث من الطيب, كما قال تعالى: (......وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيراً)(الفرقان: من الآية20) .....وقال: (وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ* إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ....) (هود:118، وأول الآية 119)،
فمثلا يخلق الله بشرا غاية في الذكاء يكتشفون أسرار الكون ويديرون دفة الحياة, ويخلق أيضا أناسا مصابين بتخلف عقلي يحتاجون للرحمة والرعاية والعناية من ذويهم ومن المجتمع ويستدرون هذه المعاني السامية من قلوب البشر الأصحاء,
أما بالنسبة للمصابين بالتخلف العقلي فيرعاهم الله في الدنيا ويسخر لهم من يرعاهم ويحنو عليهم ثم يعوضهم عن ابتلائهم في الآخرة بدخولهم الجنة بغير حساب أو بحساب مخفف حسب درجة فهمهم. إذن فحكمة الله موجودة خلف كل شيء, وما يظهر لنا على أنه شر أو ضرر يكمن وراءه خير كثير لو فقهناه بهذا المعنى وتناولناه من هذا المنظور.
وربما يسأل سائل: هل لو استبعدنا البعد الديني وما ينبني عليه من أبعاد أخلاقية واجتماعية يمكن قبول الميول الشاذة والتعبير عنها بحرية؟ .... والإجابة: لا ... لأن هناك أشياءً تدعم مسيرة الحياة واستمرار العمران في الأرض وهناك أشياء أخرى تسير عكس هذا الاتجاه, فالميول الجنسية الطبيعية تؤدى إلى التزاوج والإنجاب وتكثير النسل وعمارة الحياة إضافة إلى ما تمنحه من لذة وسعادة,
أما الميول الجنسية الشاذة فهي تؤدى إلى اللذة فقط دون عمارة الحياة, ولذلك لو تركنا لها الحبل على الغارب واحتفينا بها وأعطيناها قبولا شعبيا ودينيا فإنها سرعان ما تستفحل وتتمدد في المجتمع وتستيقظ كل درجات الشذوذ لدى الآخرين ونصبح أمام كارثة إنسانية مروعة تؤدى في ا لنهاية إلى الهلاك العام,
وهذا ما حدث لقوم لوط أو لأي حضارة استبعدت قانون الأخلاق والشرعية من حساباتها, وربما يكون انتشار الإيدز بين الشواذ وعزوف الشباب عن الزواج في الغرب وتصدع البناء الأسري مجرد أمثلة لما يتهدد البشرية من كوارث في حالة القبول بالشذوذ والاحتفاء به أو التحرر من الضوابط الأخلاقية والدينية في هذا الشأن.
أما على المستوى الفردي فلا شك أن الشخص المصاب بالميول الشاذة يعانى معاناة هائلة خاصة إذا انحصر الشعور الجنسي لديه على المسار الشاذ, فهو يريد أن يستمتع بهذا الشعور مثل بقية البشر ويمارسه, وهو لا يستطيع الحصول عليه من الطرق المألوفة لبقية الناس لذلك فهو في مأزق حقيقي وهذا هو الابتلاء الذي لو صبر عليه لجعل الله له مخرجا.
والصبر عليه هنا بمعنى أن لا تخرج هذه الميول الشاذة إلى حيز التنفيذ على الرغم من ضغطها الشديد على الشخص لتخرج, فهو لا يملك التحكم في وجودها داخل نفسه ولكنه مطالب بالتحكم في خروجها إلى حيز التنفيذ والذي يتنافى مع ثوابت دينية وأخلاقية تستحق الاحترام.
وربما يرى البعض هذا تعسفا وقسوة خاصة حين يعلم بأن وراء هذه الميول الشاذة اضطرابات جينية أو اضطرابات هرمونية أو أخطاء تربوية وكلها أشياء لا ذنب للشخص فيها ولا قبل له بها,
ولكن الصبر على الابتلاء أيا كان مصدره وأيا كانت ضغوطه هو قيمة إسلامية عظيمة, والإنسان المبتلى لن يجلس ويستمتع بالعذاب بصورة ماسوشية وإنما بجانب صبره واحتسابه سيبحث عن حل ومخرج صحي لمعاناته, وهذا الحل قائم ولكنه يحتاج لصبر وجهد, فالطاقة الجنسية يسرى عليها قوانين الطاقة في أنها يمكن أن تتحول من مسار إلى آخر حين تعطى الفرصة لذلك,
فإذا أغلقنا أمامها المخرج المرضى المرفوض دينيا فإنها تتراكم وتظل تضغط على صاحبها لتصريفها, فإذا كانت هناك مسارات صحية متاحة أو مهيأة لاستقبال هذه الطاقة المتراكمة فإنها بالتدريج ستتحول إلى هذه المسارات, وكما قلت فإن هذا يحتاج لوقت وصبر, ولو صدقت النية لحدث وقد رأيت حالات ليست بالقليلة نجحت في هذا التحول.
ومع هذا لو افترضنا أن هذا التحول لم يحدث فهل من حق الشخص المصاب بالشذوذ أن يمارس شذوذه ؟ ... والإجابة لا ... لأننا لو سمحنا لكل شخص أن يعبر عن شذوذه السلوكي أو الجنسي فإننا سنسمح لأصحاب اضطرابات الشخصية كالسيكوباتيين (المستهينين بالمجتمع) مثلا أن يمارسوا رغباتهم في السرقة والكذب والاحتيال والقتل دون محاسبة قانونية على اعتبار أن لديهم اضطرابات حقيقية في الشخصية مرتبطة أيضا بعوامل جينية واضطرابات هرمونية وظروف بيئية لا ذنب لهم فيه!!!!
وطبعا هذا لا يحدث, إذن فالحل أمام أي رغبات أو ميول أو سلوكيات شاذة ليس هو إطلاقها والترحيب بها والاحتفاء بها وإنما تضييق مخارجها وفتح مسارات بديلة للطاقة الكامنة خلف هذه السلوكيات, فمثلا بالنسبة للشخص السيكوباتي لو أتحنا له عملا مناسبا ودخلا ثابتا وظروفا بيئية آمنة ومشجعة فإن هناك احتمالات بأن يتعدل سلوكه مع الوقت والصبر والمثابرة, أما إذا سلمنا بسيكوباتيته وعذرناه فيها فإننا بذلك ندعم السمات السيكوباتية فيه وفى غيره ونتيح له فرصة الظهور والنمو.
وهناك مثل آخر في الزراعة, ففي أي حقل أو حديقة تنمو نباتات غير مرغوب فيها وغير مفيدة, وكل ما يفعله الفلاح أو منسق الحديقة هو اقتلاع هذه النباتات الغريبة أولا بأول, ولو تركها تنمو فإنها شيئا فشيئا تتمدد في الحقل أو الحديقة وتطغى على النباتات الأساسية المفيدة، ونحن هنا لا نناقش: ما ذنب النباتات الغريبة التي اقتلعت؟ أليست كائنات حية تستحق الحياة مثل النباتات الطبيعية؟ ...
فالأمر هنا يتعلق بقانون الحياة والبقاء, فكلما كانت الأشياء تخدم قانون الحياة والبقاء والنمو كلما احتفينا بها ونميناها والعكس صحيح.
وقد كان الاعتقاد السائد في المجتمع الغربي أن إطلاق الرغبات الجنسية (الطبيعية والشاذة) بعيدا عن القوانين الأخلاقية والدينية سيقلل من الاضطرابات النفسية والاجتماعية إلى حد كبير, وبناءا على هذا وسعوا نطاق الحرية الجنسية إلى أبعد حد,
ولكن ما تصوروه أو اعتقدوه لم يحدث فقد تصدع كيان الأسرة لديهم وأصبحت المتعة الحسية تطلب ملذاتها بعيدا عن أي سياق بنائي إيجابي, وازدادت حدة الأمراض النفسية والجنسية بحيث أصبح هذا التحلل الأخلاقي هو السبب المرشح لانهيار الحضارة الغربية لو استمر ا لأمر على ما هو عليه الآن.
إذن فالضوابط الأخلاقية والتعاليم الدينية ليست أشياء تعسفية غير منطقية وليست سيوفا مسلطة على رقاب مرضى الشواذ وغيرهم وإنما هي رحمة للجميع سواء كانوا مرضى أو أصحاء, لأن الله الرءوف الرحيم العادل الكريم لا يظلم الناس مثقال ذرة ولكن الناس أنفسهم يظلمون, وله في كل شيء حكمة بالغة (أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ) (الملك:14).
ونسأل الله أن يعين كل مبتلى بالشذوذ على الصبر وأن يعينه على ابتلائه ويشفيه منه, وإن لم يكن قد قدر له الشفاء أن يجزيه عن معاناته التي لا يعلمها إلا هو, وأن يوفق الأطباء وكل من له علاقة بهذا الأمر أن يجتهدوا في مساعدة كل من يحتاج إلى المساعدة وأن يجتهدوا لإيجاد علاجات ناجحة لذلك.
منقول لتعميم الإستفادة