بقلم أكرم حسن مرسي المحامي
قالوا : وجدنا في بعضِ الأحاديثِ أن موسى يفقأ عين ملك الموت
لقد لطمَ ملكَ الموتِ على عينه ففقأها ؛ لأنه لا يريد الموت... !! واعتمدوا في شبهتِهم على ما جاء في صحيحِ مسلم كتاب ( الفضائل) باب (من فضائل موسىعليه السلام ) برقم 4374
وحدثني محمد بن رافع وعبد بن حميد ( قال عبد أخبرنا وقال ابن رافع حدثنا ) عبدالرزاق أخبرنا معمر عن ابن طاوس عن أبيه عن أبي هريرة قال
: أرسل ملك الموت إلى موسى عليه السلام فلما جاءه صكه ففقأ عينه فرجع إلى ربه فقال أرسلتني إلى عبد لا يريد الموت قال فرد الله إليه عينه وقال ارجع إليه فقل له يضع يده على متن ثور فله بما غطت يده بكل شعرة سنة قال أي رب ثم مه ؟ قال ثم الموت قال فالآن فسأل الله أن يدنيه من الأرض المقدسة رمية بحجر فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم فلو كنت ثم لأريتكم قبره إلى جانب الطريق تحت الكثيب الأحمر".
الرد على الشبهة
أولاً : إن نسفَ هذه الشبهةِ نسفًا يكون من خلال طرح أسئلة، ثم أقوم بالإجابة عليها - إن شاء الله - :
السؤال الأول: هل ملكُ الموتِ كان يظهرُ للناسِ علانية حتى يفقأ موسى عليه السلام عينَه ؟ الجواب : نعم ؛كان يظهر علانية ، والدليل على ذلك ما قاله ابنُ حجرٍ في الفتحِ في قَوْلُهُ : ( قوله أرسل ملك الموت إلى موسى عليهما السلام فلما جاءه صكه أي ضربه على عينه وفي رواية همام عن أبي هريرة عند أحمد ومسلم جاء ملك الموت إلى موسى فقال أجب ربك فلطم موسى عين ملك الموت ففقأها وفي رواية عمار بن أبي عمار عن أبي هريرة عند أحمد والطبري كان ملك الموت يأتي الناس عيانا فأتى موسى فلطمه ففقأ عينه " .أهـ
قلت : وبالنظرِ إلى القرآنِ الكريم وسفرِ التكوين نجد أن الملائكةَ أتت إبراهيمَ ، ولوطًا - عليهما السلام- في صورةِ بشرٍ ، كما أن جبريلَ أتى النبيَ صلى الله عليه وسلم في صورةِ بشرٍ ، وذلك في حديثِ جبريل المشهور وغيره، و كان يأتيه في صورةِ الصحابيِّ دحية الكلبي رضي الله عنه ، ومن المعلومِ والمقطوعِ به أن ملكَ الموتِ من الملائكةِ ؛ قالسبحانه وتعالى: (( قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ (11))) (السجدة ). فلا مانع من ظهورِه علانية لموسى عليه السلام أو لغيرِه.
السؤال الثاني : لماذا فقأ موسى عليه السلام عينَ ملكِ الموت؟ و هل ملكُ الموتِ أعور الآن ؟ الجواب: فقأ موسى عليه السلام عينَ ملك الموت لأنه رأى آدميا دخل داره بغير إذنه ولم يعلم أنه ملك الموت ففقأ عينه ،وهذا ثابت في شرعنا أيضًا ؛ فقد ثبت في صحيح البخاري برقم 6393 عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ أَبُو الْقَاسِمِ صلى الله عليه وسلم :" لو أن امرأ اطلع عليك بغير إذن فخذفته بعصاة ففقأت عينه لم يكن عليك جناح".وَالْمُرَاد بِالْجُنَاحِ هُنَا الْحَرَج .
وفي صحيح الإمام مسلم برقم 4016 عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:" من اطلع في بيت قوم بغير إذنهم فقد حل لهم أن يفقئوا عينه".
قال النوويُّ - رحمه اللهُ - في شرحِه: قال العلماء محمول على ما إذا نظر في بيت الرجل فرماه بحصاة ففقأ عينه وهل يجوز رميه قبل إنذاره فيه وجهان لأصحابنا أصحهما جوازه هذا الحديث والله أعلم . أهـ
أما عن الشق الثاني من السؤال الذي يقول : هل مَلَكِ الْمَوْتِ أعور الآن ؟ الجواب: لا ، فقد جاء في الحديثِ:" فَرَدَّ اللَّهُ إِلَيْهِ عَيْنَهُ ". والسؤال لماذا رد اللهُ عليه عينَه ؟ الجواب :أَنَّ اللَّهَ رَدَّ عَيْنَ مَلَكِ الْمَوْتِ لِيَعْلَمَ مُوسَى أَنَّهُ جَاءَهُ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ فَلِهَذَا اِسْتَسْلَمَ حِينَئِذٍ ، ولأسباب أخرى يعلمها اللهُ ؟
السؤال الثالث :هل موسى عليه السلام لم يكن يريد الموت لذا فقأ عينَ ملك الموت ؟ الجواب لا ؛ لأن موسى عليه السلام لم يكن يعرف أنه ملك الموت. وَأَنَّ اللَّهَ رَدَّ عَيْنَ مَلَكِ الْمَوْتِ لِيَعْلَمَ مُوسَى عليه السلام أَنَّهُ جَاءَهُ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ، ولهذا نجد في الحديثِ لما قال اللهُ للملك :" ارجع إليه فقل له يضع يده على متن ثور فله بما غطت يده بكل شعرة سنة " قال أي رب ثم مه" قال ثم الموت " قال فالآن".لاحظ قولَ موسى عليه السلام:" فالآن".
السؤال الرابع : هل تعمدَ موسى عليه السلام فقأ عينِ ملكِ الموت ؟ الجواب: لا؛ قال النووي- رحمه اللهُ - :أن موسى عليه السلام لم يعلم أنه ملك من عند الله ، وظن أنه رجل قصده يريد نفسه فدافعه عنها فأدت المدافعة إلى فقء عينه، لا أنه قصدها بالفقء وتؤيده رواية( صَكَّهُ ) ، وهذا جواب الإمام أبي بكر بن خزيمة وغيره من المتقدمين واختاره المازري والقاضي عياض، قالوا وليس في الحديث تصريح بأنه تعمد فقء عينه فإن قيل فقد اعترف موسى عليه السلام حين جاءه ثانيا بأنه ملك الموت،فالجواب أنه أتاه في المرة الثانية بعلامة علم بها أنه ملك الموت فاستسلم بخلاف المرة الأولى والله أعلم. أهـ
السؤال الخامس: هل أقر موسى عليه السلام بأنه أرتكب معصية أو خطيئة كما كان حاله لما قتل المصري؟الجواب :لا ؛ لأنه لم يفعل ذنبًا أصلاً ، ويدل على ذلك حديث الشفاعة الثابت عند البخاري في صحيحه ففيه نجد الناسَ يأتون موسى عليه السلام يستشفعونه فيصرفهم عنه ، ويذكرهم بخطيئةٍ واحدةٍ فقط اقترفها ؛ هي قتل المصري ،ولم يذكر غيرها ؛ الحديث يقول : " فيأتون موسى فيقولون يا موسى أنت رسول الله فضلك الله برسالته وبكلامه على الناس اشفع لنا إلى ربك ألا ترى إلى ما نحن فيه ؟ فيقول إن ربي قد غضب اليوم غضبا لم يغضب قبله مثله ولن يغضب بعده مثله وإني قد قتلت نفسا لم أومر بقتلها نفسي نفسي نفسي اذهبوا إلى غيري اذهبوا إلى عيسى... ".وعليه لو كان فعله عليه السلام مع الملكِ فيه خطيئة ، أو معصية ؛ لذكرها الحديث؛ بل يثني عليه ربُنا سبحانه وتعالى في كتابِه المجيد لمحمدٍ صلى الله عليه وسلم قائلاً له
(وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مُوسَى إِنَّهُ كَانَ مُخْلَصًا وَكَانَ رَسُولًا نَبِيًّا (51))) (مريم).
ثانيًا: إن المنصّرين أصحاب الشبهة يتعجبون من أن موسى عليه السلام رد ملكَ الموتِ ؛ لأنه لم يكن يعرفه ، ولا يتعجبون مما جاء في الكتابِ المقدس أن موسى عليه السلام يردُ الله َسبحانه وتعالى قائلاً له :"ارجع عن حمو غضبك واندم على الشر بشعبك".!!
نجد ذلك في سفر حزقيال إصحاح 32 عدد 11 فتضرع موسى أمام الرب إلهه وقال لماذا يا رب يحمى غضبك على شعبك الذي أخرجته من أرض مصر بقوة عظيمة ويد شديدة 12 لماذايتكلم المصريون قائلين أخرجهم بخبث ليقتلهم في الجبال ويفنيهم عن وجه الأرض ارجع عن حمو غضبك واندم على الشر بشعبك. !
ثم يتعجبون من أن موسى عليه السلام فقأ عين ملك الموت ؛لأنه لم يكن يعلم أنه ملك الموت ،ولا يتعجبون من أن نبيَّ اللهِ يعقوب يصارع ربَ العالمين فيغلبه !! مع العلمِ أن يعقوبَعليه السلام يعلم تمام العلمِ أنه يصارع اللهَ بزعمِ النص !! نجد ذلك في سفر التكوين إصحاح32/24-30 فبقي يعقوب وحده.وصارعه انسان حتى طلوع الفجر.ولما رأى انه لا يقدر عليه ضرب حقّ فخذه.فانخلع حقّ فخذ يعقوب في مصارعته معه. وقال اطلقني لانه قد طلع الفجر.فقال لا اطلقك ان لم تباركني. فقال له ما اسمك.فقال يعقوب. فقال لا يدعى اسمك في ما بعد يعقوب بل اسرائيل.لانك جاهدت مع الله والناس وقدرت. وسأل يعقوب وقال اخبرني باسمك.فقال لماذا تسأل عن اسمي.وباركه هناك فدعا يعقوب اسم المكان فنيئيل.قائلا لاني نظرت الله وجها لوجه ونجّيت نفسي.
». أستغفر الله العظيم ما هذا نبي الله يعقوب يصارع رب العالمين فيهزمه ويقول له ربه اطلقني لانه قد طلع الفجر». فَقَالَ: «لا اطلقك ان لم تباركني»!!!
ثم يتعجبون ويزعمون أن موسى عليه السلام لا يريد الموت ، ولا يتعجبون من أن ربَهم يسوع بحسب إيمانِهم كان يخاف الموت ، ويتضرع إلى اللهِ لينجيه منه ، وإني لأعجب واللهِ من معتقدهم بصلبِه يزعمون أنه جاء ليصلب في حين إنه هو نفسه لا يريد الصلب فجعلوه مصلوبًا ملعونًا ؛لأنه ملعون كل من علق على خشبةٍ !! نقرأ في إنجيل مرقس إصحاح 14 عدد 35 ثم تقدم قليلا وخرّ على الارض وكان يصلّي لكي تعبر عنه الساعة ان امكن. وقال يا ابا الآب كل شيء مستطاع لك.فاجز عني هذه الكاس.ولكن ليكن لا ما اريد انا بل ما تريد انت». !!
قلت : إن الواضح من النصوصِ أن المسيحَ عليه السلام دعا اللهَ كي ينجيه من القتلِ ...لقولِه عليه السلام :" يا أبا الآب كل شيء مستطاع لك فأجز عني هذه الكأس أي نجني يارب من هذه التجربة اليهود يريدون قتلي.
وبزعمِ نصوصِ الأناجيلِ نجد أن يسوعَ كان يائسًا ساخطًا على الصليبِ يصرخ في ربِه ؛ لأنه تركه ولم ينجيه ، وذلك في إنجيل مرقس إصحاح 15 عدد 34وفي الساعة التاسعة صرخ يسوع بصوت عظيم قائلا إلوي إلوي لما شبقتني الذي تفسيره إلهي إلهي لماذا تركتني؟ !!
وأتساءل أليس هذا اعتراضًا على الموتِ ؟! أليس هذا تسخط ؟!
أكرم حسن مرسي المحامي AL MO7AMY-
من دعاة الجمعية الشرعية بالجيزة
الرجوع الي الرد علي الشبهات حول السنة
موقع برهانكم