كشفت وثائق بحوزة "الشروق"، حجم الظلم الذي تعرض له الراحل عبد الحميد مهري في جزائر التسعينيات، وهو الذي أفنى شباب عمره من أجل أن يعيش أبناء بلده في كنف الحرية والكرامة.
لقد حُرم عبد الحميد مهري، من جواز السفر الدبلوماسي، في عهد حكومة أحمد أويحيى العام 1997، في وقت كان "الحكيم" في أمس الحاجة إليه، لعلاج زوجته المتوفاة بالخارج، وذلك بالرغم من المساعي الكثيرة، التي قام بها من أجل استرجاع حقه الدستوري المنتهك، غير أن هذا الظلم لم يسمع به الجزائريون، لأن الراحل كان كتوما وصبورا إلى ابعد الحدود.
وجاء في رسالة وجهها الراحل مهري لوزير الشؤون الخارجية، أحمد عطاف (حكومة أويحيى الأولى)، مؤرخة في 03 جوان 1997 : "كنت قد طلبت مقابلتكم، منذ عدة أسابيع، وأعتقد أن أوقاتكم لم تسمح بذلك، ولهذا فإني أكتفي بطرح الموضوع في هذه الرسالة".
ويعرض المرحوم قضيته في الرسالة قائلا: "لقد طلبت من وزارة الخارجية منذ شهر جانفي من هذه السنة (1997)، جواز سفر دبلوماسي لي ولزوجتي، بموجب المرسوم الرئاسي رقم: 97 / 02 المؤرخ في 4 جانفي 1997، وقد كان رد وزارة الخارجية بالرفض لمن تفضل، نيابة عني، بالسؤال عن مصير الطلب".
وبلغة الدبلوماسي الهادئ وصاحب الحق المتّزن، يقول الراحل مخاطبا وزير الخارجية الأسبق، أحمد عطاف: "إنني أعتقد يا سيادة الوزير أن المادة السابعة من المرسوم المذكور، تخولني حق الحصول على جواز السفر الدبلوماسي، بإحدى الصفات الأربع التالية، التي تتوفر جميعها في حالتي، وهي: عضو المجلس الوطني للثورة، وعضو لجنة التنسيق والتنفيذ، وعضو الحكومة المؤقتة، وسفير الجزائر في فرنسا والمملكة المغربية..".
ويطلب مهري من الوزير عطاف إعادة النظر في قرار الرفض غير المبرّر، لكنه لم يترجاه أو يتوسل إليه: "أطلب من سيادتكم دراسة طلبي من جديد أو إفادتي، لأن هذا الأمر يهمّني جدا، بسبب الرفض إذا تأكد"، غير أن وزير خارجية أويحيى في ذلك الوقت، لم تكن له الجرأة ولا روح المسؤولية ليرد لا بالسلب ولا بالإيجاب، بل تجاهل الرسالة تماما.
انتظر الراحل 53 يوما، لكنه لم يجد من وزارة عطاف سوى التجاهل، ليرد برسالة أخرى، لكن هذه المرة للمنظمة الوطنية للمجاهدين، التي كان أمينها العام آنذاك، محمد الشريف عباس، الذي يشغل حاليا حقيبة وزارة المجاهدين.
حرر "الحكيم" رسالة ثانية مؤرخة في 26 جويلية 1997، وجهها لرفيقه في الجهاد، محمد الشريف عباس، يعرض عليه قضيته من جديد، فيقول: "كنت طلبت من وزارة الخارجية جواز سفر دبلوماسي لي ولزوجتي، بناء على المرسوم.. وقد قوبل طلبي برفض شفهي، جعلني أطلب مقابلة وزير الخارجية، ثم اكتفيت لما تأخرت هذه المقابلة، بطرح الموضوع في رسالة، بقيت هي أيضا بدون جواب، وإني أرفق نسخة منها بالرسالة التي أوجهها لكم اليوم".
ويمضي مهري مسترسلا: "إن حرصي على طلب هذا الجواز نابع من اعتبارين: الأول هو أن الأمر يتعلق بحق يخوله القانون لمن هم في وضعيتي، وهو الأهم، ينجر من أن منع هذا الحق، يعني أنه وقع الإخلال بالشروط المنصوص عليها في المادة السابعة من المرسوم أعلاه والتي أعطت الحق في الجواز الدبلوماسي للأشخاص المعينين، شريطة أن يلتزموا باحترام مراتبهم، وأن يقيموا بالجزائر، وألا يصدر عنهم أي تصرف يمس بالمصالح العليا للدولة وبكرامتها".
ويعتبر الراحل، كما جاء في الرسالة، حرمانه من الجواز الدبلوماسي، كما في حالته، "حكم معنوي خطير"، الأمر الذي دفعه إلى التساؤل عن "الجهة أو المسؤول الذي يحق له التصرف في هذا الحق الذي خوله القانون، كامتياز رمزي، لمن أوكلت لهم مسؤوليات في الثورة والدولة، وكذا عن الميزان الذي يوزن به مدى احترام المسؤولين لمراتبهم، وحرصهم على المصالح العليا للدولة وكرامتها".
وبلباقة فائقة وبعيدا عن أي إحراج، يذيّل مهري رسالته لأمين عام منظمة المجاهدين سابقا، والوزير الحالي الشريف عباس: "إني أعتقد سيادة الأمين العام، أن المنظمة الوطنية للمجاهدين، لاعتبارات موضوعية ومعنوية، مؤهلة للنظر في هذه القضايا، وقد انتهيت، بعد تفكير طويل، إلى أنه من الأفضل أن أعرض عليها الأمر قبل أية جهة أخرى، لعل هذه القضية المؤسفة تجد الحل الذي يحفظ للبلاد سمعتها، وللذين ناضلوا في سبيلها كرامتهم، لكن إذا كان الاهتمام بهذا الموضوع يسبب لكم أو للمنظمة أي حرج فإنني أتفهم، وأقدر سلفا، موقفكم مشكورين في جميع الحالات".
ويكشف تاريخ الرسالتين أن حرمان الراحل مهري من الجواز الدبلوماسي، الذي يوفّر لصاحبه تسهيلات ومزايا التنقل، بعيدا عن مضايقات مصالح الجمارك وشرطة الحدود، جاء في سياق شحن سياسي فاق الحدود، أعقب مشاركة الأمين العام الأسبق لحزب جبهة التحرر الوطني، في ملتقى سانت إيجيديو، الذي كان يبحث عن حل لوقف إراقة دماء الجزائريين التي كانت تسيل بغزارة في التسعينيات، وما تبعها من إجراءات عقابية قاسية ضد الراحل، لعل أبرزها إزاحته من رأس الحزب العتيد العام 1996، في مسرحية كانت سيئة الإخراج.