حماية المواقع الأثرية في الصحراء الجزائرية - حظيرة الطاسيلي ناجر أنموذجا –
أ. بعيـطيـش عبد الحميد
قسم التاريخ وعلم الآثار
- جامعـة باتنـة
جاء في بعض القوانين أن الآثار أو الأثر هو كل ما أنشأه الإنسان مما هو ثابت بطبيعته وكل ما أنتجه بيده أو فكره، والبقايا التي خلفها ولها علاقة بالتراث الإنساني، وحيث أن الأرض الجزائرية مترامية الأطراف، سواحل وجبال وصحاري وسهول وأودية، فهي تعد من أهم الدول الغنية بالمواقع التاريخية أثارا وثقافة وحضارة، ولهذا فإن العمل على حماية هذه المواقع مسألة معقدة وشاقة وتتطلب الكثير من الخبرات والأموال، وقد يعترضها كثير من العراقيل والأخطار المترتبة عن الظروف الطبيعية كعوامل التعرية والتدمير الناتج عن الرياح والأمطار والزلازل، إضافة إلى عبث العوامل البشرية كسوء التنقيب والاكتشافات والسرقة والنهب والتشويه وغيرها من الحروب والغزوات الخارجية .
بما أن حماية الممتلكات الثقافية والحضارية تحتاج إلى تضافر جهود الدولة الجزائرية بأجهزتها وإدارتها المختلفة ودعمها لقطاع الآثار، مع همة المجتمع المدني الذي يعول عليه من خلال وعي المواطن ، فإننا نأمل كذلك في أن يصبح قطاع الآثار في بلادنا شأن ثقافي لا يقتصر على من يشتغلون في هذا المجال وعلى ثلة من المثقفين الذين يحسون بأهمية الموروث الثقافي والحضاري لبلادهم، بل يجب أن يحس المواطن بأهمية الآثار، باعتبارها المعبر المادي عن تاريخه الحضاري ولهذا فإنه يجب أن تكون هناك خطة طموحة تهدف إلى توعية الفرد بالتاريخ الحضاري لأرضه التي استوطنتها شعوب مختلفة تركت آثارها وحضارتها على هذه الأرض.
وللبحث عن صيغة تضمن حماية أفضل للمواقع الأثرية في صحرائنا نطرح السؤال التالي: ما هو دور الحكومة والمجتمع المدني الجزائري في حماية المواقع الأثرية الصحراوية ؟
Résumé
L’Algérie est l’une des pays les plus riches culturellement, surtout au niveau de l’archéologie pace qu’elle contient des très grands vestiges comme dans le SAHARA .c’est pour ça il faut trouver une stratégie efficace pour sensibiliser la société de sa civilisation, et de son patrimoine culturel existé dans son pays.
مشكلــة الدراسـة:
تحتوي الصحراء الجزائرية على الكثير من الملامح الأثرية التي تؤكد العلاقة العميقة بين الإنسان والوسط الطبيعي الذي كان سائدا في الفترة النيوليتية، ولعل من بين هذه الملامح، تلك النقوش والرسومات الصخرية المنتشرة في أرجاء الصحراء خاصة بمنطقة الطاسيلي والهقار، والتي يرجع تاريخها إلى آلاف السنين.
فللصحراء أهمية بالغة للإنسان بما تحتويه من خصائص، فجميع الدراسات التي تناولت موضوع النقوش والرسومات الصخرية تُجمع على أن منطقة الطاسيلي مثلا كانت منذ القدم ملتقى الحضارات الإنسانية، بدليل وجود معالم أثرية تدل على استمرارية حضارية بالمنطقة، ويعود تاريخ الاستيطان البشري بها إلى عصور ما قبل التاريخ، كما شهدت أوج ازدهار لها في مرحلة العصر الحجري الحديث أو "النيوليتي" (Néolithique) حوالي 8000 ق.م، وهذا ما جعلها مركزا رئيسيا لحضارة كبيرة شملت الصحراء الوسطى وامتد إشعاعها إلى باقي أجزاء إفريقيا خلال فترة ما قبل التاريخ.
وتبعا لازدواجية التفاعل التي تقضي بعيش الخلف على ارث السلف الحضاري من حيث هو تراث أصيل يتصل بشخصية وهوية الوارث، فإن العناية به حتمية تتطلب الإسراع في إعداد خطة علمية مدروسة لحماية الآثار ثم تنفيذها، بحيث تتكاثف فيها جهات علمية وأمنية مختلفة وتنشد زيادة الوعي الأثري للمواطن الذي تقع عليه مهمة حماية تاريخه وتراثه، وبهذا تحمى المواقع الأثرية.
فنحن إذا تحدثنا عن التراث المادي في مختلف مناطق الجزائر ، فإننا لا نُهمل أكبر جزء منها وهي الصحراء ، فمن الناحية الجيولوجية لا نعلم عن الصحراء إلا القليل وذلك راجع إلى عدة أسباب منها:
أولاً: أن علوم الأرض نشأت في أوروبا، وهي القارة الوحيدة التي ليست فيها صحراء ، لذلك لم يهتم العلماء الأوائل بتضاريس الأراضي الجافة، ومعظم من جاء بعدهم أخذ عنهم.
ثانياً: أن الصحراء واسعة ويصعب الترحال فيها ، ولا يقصد دراستها إلا قلة من العلماء.
ثالثاً: يغطي سطح الصحراء خليط من فتات الصخور والرمال، ويصعب على الجيولوجي تحديد أصل الرواسب وتاريخ تطورها، وإن كنا نجهل الأحداث التي أثرت على حياة جماعات ما قبل التاريخ ، فإن مساحة الموقع، ومكان تأسيسه، وطبيعة مختلف أجزائه المكونة يمكن أن تعطينا مؤشّرات حول تركيبة الجماعة التي سكنت هذه المنطقة قديما.
ولهذا فإن القيام بأبحاث ودراسات لغرض حماية المواقع الأثرية في الصحراء الجزائرية مسألة لابد منها لغرض إبراز موقع هذا الإرث في الصراع الفكري، ومدى تعبيره عن خصوصية عصره وشعبه باعتباره جزءا هاما من الذاكرة الوطنية يستوجب حمايته، ويمكننا حصر هذه الأهمية في الجوانب التالية:
- تعتبر المواقع الأثرية وثائق مادية تدلّنا علميا على المجتمعات التي عاشت واستغلت الأرض في العصور العتيقة.
- أنها تعتبر جزءا من المحيط الذي نعيش فيه اليوم، فتثري بذلك مفهومنا للثقافة وتساعدنا على ربط حاضرنا بماضينا.
- من جهة تحتل المواقع الأثرية عنصرا هاما ضمن مجموعة الموارد الاقتصادية التي تعتني بها الدول حتى تزداد ثرواتها.
الموقع الجغرافي والفلكي لمنطقة الطاسيلي نآجر :
تقع منطقة الطاسيلي ناجر في الجنوب الشرقي من الجزائر، يحدها من الشمال العرق الشرقي الكبير( منطقة اساون نيغرغارن وبوراغت)، ومن الجنوب منطقة عيسو وإين الزوا المتاخمة للحدود النيجيرية، ومن الغرب عرق أمقيد، ومن الشرق إن أزاق ومنطقة فزان الليبية.
أما فلكيا فقد اختلفت الأبحاث في تحديد حدودها الحقيقية بسبب الاختلاف في إدراج بعض المناطق ضمن منطقة الطاسيلي، فبينما نجد الباحث إبراهيم العيد بشي يحددها بين دائرتي عرض 21° و 28° شمالا، وبين خطي طول 5° و 20° شرق خط غرينيتش ، نجد الباحث جون دوبياف ( Dubief.J) يحددها بين 23° و 30° شمالا بالنسبة لدوائر العرض، وبين 5° و 14° شرقا بالنسبة لخطوط الطول .
وتعتبر منطقة الطاسيلي هي نفسها إقليم الحظيرة الوطنية للطاسيلي التي أنشأت بموجب القرار الوزاري رقم 168 الصادر بتاريخ 26 جويلية 1972م الذي جاء في المادة الثالثة منه:
" تشمل - حظيرة الطاسيلى الوطنية - أراضى الهضبة التي تدعى - طاسيلى آزجر- وحدودها الجغرافية هي:
-من الشـرق: الشـريط الحدودي مع الجماهيرية العربية لليبية.
-من الجنوب الشرقي: الحدود مع جمهورية النيجر حتى وادي تافساست غربا.
- من الجنوب الغربي: إلى الشمال الغربي: يسلك حدها جبال ايدمبو حتى تلتقي بالجرف في علوتين - نوار، ويمتد هذا الجرف إلى أمقيد.
- من الشمال: يكون حد الجبل هو منطقة التماس بين الهضبة والمكثبات يجسده طريق إليـزى- أمقيد المعبد غربا، وطريـق اليزى تارات غير المعبد شرقا.
- تـشكل مكثبات ادمير وتيهوداين مناطق متاخمة وتدمج في الحظيرة" ، وهي تشكل بذلك مساحة مقدرة بـ: 8000000 هكتار أي ثمانين ألف كلم مربع، وترتفع من على الرمال قمم صخرية متآكلة جدا تعرف بالغابات الصخرية (Forets des Pierres) وعددها حوالي300 رأس صخري منها ما يحمل رسومات ونقوش وكأنها أطلال مدن قديمة مهجورة بفعل الزمن والعواصف الرملية،
وبعد أن صنفتها اليونيسكو ضمن الإرث التاريخي الوطني في شهر جويلية عام 1972م، تم إدراج منطقة طاسيلي نعاجر إرثا حضاريا عالميا سنة 1982م بفضل ثرواتها الثقافية، ثم لقيت الاعتراف في شبكة برنامج اليونيسكو المتعلق بالإنسان والمجال الحيوي كمحمية إنسانية ومجال حيوي.
جيومورفولوجية الطاسيلي:
وتتميز منطقة الطاسيلي تضاريسيا بكتلها الصخرية من الحجر الرمادي، ترسّبت على قاعدة بلورية تسمى السهل ما تحت الطاسيلي (Pleine infratassilienne) ، ويعرف في دراسات أخرى باسم النجد الأرضي المتبلور (les Payes cristallien) ، هذه الجبال التي تتقاطع بها أودية كبيرة تشكل البطون الجافة لمجاري مائية قديمة، وهو تكوين جيولوجي يأخذ شكل نتوء يمتد من الشمال إلى الجنوب، ويتواجد في سهل غرب هضبة المسالك الليبية ويمكن رؤيته من خلال الأقمار الصناعية، ويبدو أن هذه المرتفعات تمثل حدود طبيعية وإثنية وثقافية بين سكان الطاسيلي وإقليم فزان الليبي.
ويذكر بعض الباحثين إلى أن منطقة الطاسيلي قديمة التكوين وأنها تعود إلى حقبة ما قبل الكامبري (قبل الزمن الجيولوجي الأول)، وهي مؤرخة بحوالي 600 مليون سنة وتشمل مساحة واسعة من الجنوب الجزائري بما في ذلك منطقة الهوقار، وهو في منطقة الطاسيلي ممثل في سهول أمادرور ((Amadror وآدمير (Admer) ، كما أن هناك من الباحثين من يدرجها ضمن حقبة الباليوزويك (Paléozoïque) الذي يعود إلى الزمن الجيولوجي الأول بين 550 مليون سنة و370 مليون سنة، وعلى ما يبدو من نتائج الأبحاث أن الصحراء لم تكن دائما قاحلة، بل انما كانت خضراء على الاقل في بعض اجزائها لا في الماضي السحيق بل قبل 5000 أو 6000 سنة فقط ثم دخلت في طور جفاف متزايد عندما دخلت المنطقة حيز التاريخ، منطقة الطاسيلي في العموم ثلاثة أقسام.
1- الطاسيلي الداخلي (Tassili interne) : يعود تكوينه إلى حقبة الكامبري الأردوفيني (Cambro-Ordivicien) ، وهو واقع بين النجد المتبلور للهوقار والمنطقة السفلية لسهول الطاسيلي.
2- الطاسيلي الخارجي (Tassili externe) : يعود تاريخه ما بين حقبة السيلوري (Silurien ) والدوفيني الأسفل (Dovonien inférieur) ، وهو يمتد بين الأخدود الداخلي للطاسيلي والمنطقة التي يقع فيها وادي إيغرغارن .( Ighargharen )
3- الأخدود أسفل الطاسيلي (Sillon intra Tassilienne) : يعود تاريخه إلى حقبة السيلوري حوالي 420 مليون سنة، وهو عبارة عن منخفض يقع في قاعدة الطاسيلي الداخلي وقاعدة الطاسيلي الخارجي وتصب فيه معظم أودية الطاسيلي الداخلي.
أما عن المجاري المائية والترسبات النهرية في منطقة الطاسيلي التي ترى عن طريق الأقمار الصناعية والصور الفضائية فهي كثيرة ومنتشرة، حيث يعد توفر الماء ووجوده بكمية كبيرة العامل الأساسي في تطور الحضارات الإنسانية، ورغم أن منطقة الطاسيلي تبدو جرداء قاحلة إلا أنها تتوفر على مخزون هام من المياه الجوفية تعود إلى مرحلة ما قبل التاريخ ، لأن الرمال جاءت أصلاً مع المياه التي تجمعت في بحيرات وتتسرب تحت أماكن تجمع الرمال أثناء الأحقاب الممطرة، وتم هذا التسرب إما من خلال المسامية الأصلية أي الفجوات بين حبيبات الصخور، وإما من خلال المسامية الثانوية التي تؤهلها الشقوق والفوالق في الصخور والتي تسهّل مرور السوائل في مساراتها، وهناك نوعين من الوديان في منطقة الطاسيلي:
1- الوديان المتجهة نحو أرض ما فبل التاسيلي (Les Payes prétassilien) منها وادي جرات ووادي إميهروا.
2- الوديان المتجهة نحو السهل تحت الطاسيلي، منها واد إيغرغارن( Ighargharen ) وواد أمدور ((Amadror وواد أجريو َ(Adjereo) وواد أمستان (Amastane) وواد تارات (Tarat) وواد سامن .(Samen)
كما أن بعض هذه الأودية تصب في العروق، وقد ذكر الباحث جون لوكولك (J. le Quellec) في دراساته العلمية أن عرق مرزوق (Marzougue) كان عبارة عن بحيرة في حوالي 8445 ق.م مع فارق 160 سنة أكثر أو أقل، ويستشهد بذلك وجود صور الرسومات الصخرية المنتشرة التي تمثل حيوانات متعلقة بالأنهار والبحيرات منها فرس النهر والفيلة.
مخاطر ومهددات آثار الطاسيلي:
عثر المكتشفون الفرنسيون إبان الحقبة الاستعمارية على كهوف في منطقة الطاسيلي تحوي مجموعة من النقوش الغريبة التي تمثل حياة كاملة لحضارة قديمة، ومن خلا تحليل هذه الصور اكتشف الخبراء أن تاريخها يعود إلي 30 ألف عام، فصنعت بذلك الشهرة العالمية للطاسيلي ابتداء من عام 1933 تاريخ اكتشافها من طرف الملازم الأول الفرنسي "برينانس"، فهناك أكثر من 15000 رسم و صورة تم إحصاؤها إلى يومنا، وتتنوع الصور الموجودة فيه بين صور لعمليات رعي الأبقار وسط مروج ، وصور لخيول، ونقوش لانهار وحدائق، وحيوانات برية، وطقوس دينية، وبعض الآلهة المقدسة والعديد من الأشكال الغريبة التي لا يسع المجال لذكرها.
إن الحالة التي توجد عليها هذه الآثار قد تدهورت بشكل سريع، وتفاعلت الأخطار المحدقة بها، ويعتقد الباحثون أن هناك عدة عوامل تضافرت للوقوع في مثل هذه الحالة، من بينها العوامل الطبيعية التي أثرت بشكل ملحوظ ومع طول السنين في هذا المتحف الأثري الطبيعي، بالإضافة إلى العامل البشري الذي يعتبر بدوره من الأسباب في ذلك.
1- العوامـل الطبيعية:
هناك بعض العوامل الطبيعية تؤثر في المواقع الأثرية الصحراوية بصفة عامة، والمتمثلة في الرياح الموسمية التي تزيل بعض المعالم عن طريق ارتطام حبيبات الرمل بها وتعمل على نحت الجدران والصخور وتفتيتها ، فهي نوع من التعرية التي تؤثر بشكل كبير على جيومورفولوجية المنطقة، وكثيرا ما نشاهد جدرانا وصخور تقف على حواف مدببة، كما تقوم التيارات الهوائية أيضا على ردم العناصر الأثرية بالرمال والأتربة مما يشكل عليها ضغوطا قد تفقد أجزاء منها أو بعض ملامحها .
كما تُحدث الأمطار والسيول أضرارا كبيرة على بعض الآثار لما يصاحب الأمطار من تفاعلات فيزيوكيميائية بإذابتها الأملاح، وتؤدي بذلك إلى تفتيت بعض الصخور الرملية والكلسية التي تحمل آثارا ونقوشا ، كما أننا نعلم أن العوامل المسماة ما بعد التراكمات (post-dépositionnels) كظواهر الانجراف والترسبات والغطاء النباتي وطبيعة استعمال الأرض تساعد كلها على إزالة الآثار، وتلعب دورا حاسما في تغيير التسلسل التاريخي والوظيفي إلى حد أنها تستطيع أن تبرز على السطح أصنافا مختلفة تماما مع أصناف الأنسجة المطمورة .
2- العامــل البشـري:
يعمل الإنسان بدوره على تحطيم الإرث المادي المنتشر في المتاحف الطبيعية الغير محروسة عن طريق تشويهها أو إفقاد بعضا من ملامحها باعتبار أنّ اللُّقى الأثرية تتباين كمًا ونوعًا حسب طبيعة الموقع، ويمكن العثور عليها عن طريق الصُّدفة ووسائل أخرى لا علاقة لها بالبحث الأثري العلمي كالهواة واللصوص، كما أن هناك محاولات مستمرة من طرف عصابات تعمل على سرقة وتهريب بعض اللُّقى الأثرية التي من شأنها الاستفادة منها أكثر في ميدان البحث العلمي والتاريخي لأي منطقة.
أساليب ووسائل حماية آثار الطاسيلي:
من أجل الحفاظ على التراث المادي في مختلف المواقع التي تشملها حضيرة الطاسيلي، وجب استجابة مختلف الهيئات والتنظيمات والأطراف المختصة لتقديم تشكيلة واسعة من المعلومات تتعدى تلك التي يتم تجميعها في بحث عادي يخص التراث، إذ يجب عليها أن تغطي بالنسبة للمواقع والممتلكات الثقافية الجوانب التالية:
- حيز الموقع ( هل هو معزول أو ضمن مركز حضري، مواقع أثرية متفرقة في مناطق معزولة أو على طول الطريق...الخ)
- أنواع الأماكن والمواقع ( تركيبات، مشاهد ... الخ)
- نظام الملكية ( مواقع في منطقة عامة، في منطقة خاصة)
- الهيئة الحكومية المقررة والمشرفة ( التشريع والسلطة القضائية، المؤسسات المسؤولة عن إدارة المواقع الأثرية)
- أنظمة الحفاظ المعمول بها والأخطار المحتملة.
ومن أجل صياغة مخطط لإدارة وحماية الآثار في المواقع الكبيرة وجب وضع إستراتيجية خاصة بالجرد والمسح وتوفير التقنيات الحديثة للمساهمة أكثر في فهم المواقع الأثرية وتحضيرها للحماية المقننة ومن بين هذه التقنيات نذكر:
1- المسـح الأثــري:
إن وضع تعريف علمي دقيق وموجز لعملية المسح الأثري جد صعب لتعدد مناهج الكشف والبحث عن الآثار، فكل مدرسة تعتبر أن طريقتها أجدى واقرب إلى المنهج العلمي الصحيح، وبالنسبة لنا فان المسح الأثري هو البحث عن آثار في مواقعها والقيام بوصفها وصفًا علميًا دون اللجوء إلى عملية الكشف عن طريق الحفريات (Les Fouilles)، وهذا لا يعني رصد أو التقاط عفوي بقدر ما هو عملا أصوليا له مناهجه ووسائله الخاصة المتمثلة في:
- تحديد حدود المنطقة المراد مسحها، ويمكن أن تكون حدودا طبيعية.
- وضع إستراتيجية عامة تهدف إلى الإحاطة العلمية بقضية محددة أو الإجابة عن سؤال أو توضيح فكرة معينة... الخ.
- تامين الاختصاصيين والنفقات والأجهزة اللازمة لعملية المسح.
- تحديد الطرق والأساليب اللازمة لجمع المعلومات الهادفة إلى تحقيق الوصول إلى تلك الإستراتيجية.
- تحديد المناطق التي تساعد على تفعيل دور المنطقة الأثرية والمناطق التي يمكن أن تساهم في إهمال وتهميش مناطق أخرى.
- دراسة شبكة الطرق والممرات المؤدية إلى المنطقة التاريخية وطبيعة الفضاءات المحيطة بهذه الطرق.
ومن بين الوسائل والطرق المستعملة في عملية المسح الأثري هناك طرق التصوير الجوي عن طريق الطائرات والأقمار الصناعية لغرض تحديد المواقع ومعرفة أبعادها، وتمييزها عن ظواهر أخرى محيطة بها كالطرقات والوديان والكثبان الرملية، ولكن عملية استخدام معلومات الوسائط الفضائية تتطلب عددا كبيرا من المختصين المدربين تدريبا عاليا، ومن المؤسف أن هذا المجال من التصوير غير متوفر لنا وبالتالي مثل هذه الدراسات لا تزال في بداياتها.
2- الدراسات الايكولوجية:
لا يمكن أن نتصور دراسة معمقة لموقع أو مجموعة محدد من المواقع دون الإلمام الدقيق بجوانب المحيط التي تتداخل بشكل أو بآخر في مدى استقرار المخلفات (كدور التعرية) بسبب الرياح والأمطار ودرجة تآكل بعض الصخور الحاملة للمشاهد الصخرية أو انفصالها بسبب التجوة الميكانيكية ، لذلك فان هذه الدراسة تشمل مدى انتظام الأشكال التضاريسية الدنيا ونوعية التربة والصخور المحيطة بالآثار وعوامل التعرية فضلا عن الإلمام بالتاريخ الجيولوجي للجزء المدروس.
ولهذا فان عملية دراسة مختلف العوامل البنيوية والتضاريسية المتاخمة والمحتوية للآثار يتبعها تمحيص ما هو موجود من الصور الجوية، وربط العناصر التي تبدو على سطح الأرض منعزلة وتنظيمها في مجموعات، من شأنها تقديم صورة توضيحية عن محيط منطقة الطاسيلي وحدودها وطبيعة الفضاءات التي تشكل المناطق المجاورة لها.
3- دراسة التغيرات الجغرافية والمناخية:
تشمل الدراسة محيط المنطقة الأثرية فيما يتعلق بالتغيرات السطحية التي طرأت عليها خلال عمرها الطويل، خاصة فيما يتعلق منها باتساع المساحة الرملية، وكذلك فيما يتعلق بمجاري المياه والأنهار وتذبذب التساقط ودرجات الحرارة خلال الأزمنة الغابرة باعتبارها قاعدة من أهم قواعد المسح الأثري للتعرف على مواقع الاستيطان البشري في الأزمنة المختلفة، والقيام بالتحليل الطوبوغرافي السطحي للمساحات الكبيرة التي يعتقد في إمكانية اشتمالها على مواقع أثرية كانت عامرة سابقا.
4- الإجراءات الإدارية والتنظيمية:
بعد البحث في العوامل المسببة في إتلاف وتهميش الآثار وكذا إبراز مظاهر التلف وتشخيصها وفقا لأسباب التلف، نسعى للبحث عن طرق الحفاظ والحماية سواء من جانبها الإداري أو القانوني.
الإجراءات الإدارية:
لا يستطيع في الوقت الحالي أي أحد أن يشرع في عملية التنقيب أينما كان دون أن تكون لديه رخصة القيام بمثل هذا العمل، ولا تمنح مثل هذه الامتيازات إلا بعد دراسة البرامج المقدمة من طرف الهيئات المختصة في مشاريع البحث والحماية، كما تقوم الجهات المختصة بإحكام المراقبة وتفقد المعالم بشكل مستمر، لأن لصوص الآثار تستطيع أن تخترق أي موقع أو متحف أثري في غياب الحراسة القوية و خاصة في المناطق البعيدة والصحراوية.
ومن المهم والضروري أيضا اهتمام الدولة بتأسيس مدارس وطنية لصيانة وحماية الآثار تقوم بأعمال منظمة ومبرمجة تهم كل الفترات لا الفترة الرومانية وحدها كما فعلت المدرسة الاستعمارية، وتحديد الغاية الأساسية من ذلك بمشاركة الهيئات المختصة التالية:
- المؤسسات العلمية في مجال التراث وعلم الآثار على المستوى الإقليمي والوطني.
- الجمعيات والمنظمات الوطنية الناشطة في مجال حماية التراث المادي.
- الكفاءات الوطنية والدولية المختصين في التراث والآثار.
5- دور الإعــلام في حماية الآثار:
يتجه الفكر في العالم إلى البحث عن سبل لوضع أسلوب جديد للإعلام يعكس التطورات العلمية والثقافية لأي أمة، ويمهد لخلق ونشر الوعي بالموروث الثقافي والمادي للوطن وإذاعتها ونشرها بمختلف وسائل الإعلام والمعرفة، لذلك وجب ترتيب لقاءات مع السلطات المحلية والمراكز العلمية أو المعاهد ذات الاختصاص بهدف التّعرف على حقيقة الأوضاع في أي منطقة أثرية من أجل تثقيف وتوعية السكان والمشاهدين لما يدور حولهم من نشاطات هادفة.
6- الإجراءات القانونية المتعلقة بحماية الآثار:
إن عملية حماية التراث في شكله الثقافي أو المادي بات من واجب الإنسانية جمعاء باعتباره من الأساسيات التي تسمح بالتعرف على أصولنا الثقافية والاجتماعية، وهذا ما أدى إلى وجود منظمات وهيئات عالمية تعمل على حماية المعالم التاريخية والأثرية والحفاظ عليها، وذلك عن طريق سن مجموعة من الأسس والقواعد العامة نذكر على سبيل المثال:
- ميثاق أثينا (charte d'Athènes) سنة 1931م الخاص بترميم المعالم التاريخية.
- ميثاق البندقية (charte Venise) سنة 1964م الخاص بحماية وصيانة المعالم والمواقع الأثرية.
- ميثاق ايكيموس (charte ICOMOS) سنة 1990م الخاص بتسيير التراث الأثري .
تحتوي مثل هذه القوانين وتشرح عدة مبادئ متعلقة بحماية وتسيير التراث الأثري وهي تحوي أيضا على قواعد العمل الأساسية للتسجيل والتحري والتنقيب والتوثيق والبحث والوقاية والصيانة وإعادة التصور والإعلام والعرض، ولهذا فان حماية الآثار يجب أن يعتمد على تعاون فعال بين اختصاصيي مجموعات مختلفة من العلوم، كما يحتاج إلى تعاون المصالح العمومية والباحثين والمؤسسات المختلفة.
إن النصوص التنظيمية حول حماية الآثار تُكوّن عنصرا للدفاع والحماية، لكنه غير كاف لإبعاد مخاطر السرقات والحفريات العشوائية والتهريب، ولهذا فان اعتماد نصوص قانونية وطنية لحماية الآثار يضمن الحماية والوصاية حسب الظروف المناسبة للبلاد، لذلك أصدرت الجزائر مجموعة من القوانين الجزائية المتعلقة بحماية الآثار نذكر منها:
1- قانون رقم 67-281 المؤرخ في 20 ديسمبر سنة 1967م. ومن بين مواده:
المادة 01: يتعين على الملاك الواقعة أملاكهم في المناطق المحمية أن يمتثلوا لأحكام هذا المرسوم وفقا للمادة 30 من الأمر، غيـر أنهم يمنحون مهلة سنة ليقدموا إلى الوزير المكلف بالثقافة تظلماتـهم من الآثار السلبية التي قد تلحقهم بسبب أحكام التصنيف.
المادة 08: تُمنع العربات ذات المحرك من المرور خارج الدروب التي تفتحها السلطة التي تسير الحظيرة وتضع إشاراتها.
المادة 09: على كل شخص يرغب في زيارة حظيرة الطاسيلى الوطنية أن يملأ استمـارة ذات شقين تسلمها السلطة المسيرة وتتضمن على الخصوص المعلومات الآتية :
هوية الزائر، ومجال الزيارة، وخط السير، والمدة التقريبية للإقامة، واسم الهيئة المسؤولة عن الزيارة. يستظهر الزائر بالشق الذي يسلم له كلما له طلبته من السلطات المكلف بمراقبة المرور داخل الحظيرة.
ويجب أن ترد هذه الاستمارة إلى مأمور مركز الخروج, الذي يطبعهـا بعلامة تبين مركز الخروج وتاريخه.
المادة 10: لا يمكن أن تتم أية زيارة إلا في إطار منظّم تحت إشراف هيئات عمومية أو بواسطة وكالات سياحية معتمدة طبقا للقوانين والتنظيمات المعمول بها، وفي إطار احترام التعليمات التي تصدرها السلطة المسيرة للحظيرة.
2- قانون رقم 98-04 المؤرخ في 15 جوان 1998. ويهدف إلى التعريف بالتراث الثقافي الجزائري وسن القواعد العامة لحمايته والمحافظة عليه وتثمينه، كما يتضمن على تنظيم كل أعمال الصيانة والترميم.
3- مرسوم تنفيذي رقم 03-323 مؤرخ في 05 أكتوبر 2003م. يتضمن كيفيات إعداد مخطط حماية المواقع الأثرية والمناطق المحمية التابعة لها واستصلاحها.
خلاصــة:
إن المادة لا تصبح تراثا ما لم تكن مكتسبة للقيمة النوعية، وما دام هناك تاريخ ومؤرخون وعلماء آثار فالبحث والتنقيب عن الآثار والوثائق متواصل وانطلاقا من مطامحنا العليا من اجل حماية الإرث المادي لوطننا وجب علينا فتح باب حان ولوجه لدراسة تاريخنا القديم بمنهج علمي يمكنه أن يقدم للمجتمع الجزائري سلاحا فكريا في المعركة الفكرية الدائرة في وقتنا الحاضر.
الهوامش:
- النيوليتي (néolithique) أو العصر الحجري الحديث مشتقة من الكلمة الإغريقية (nios) وتعني الجديد و (lithos) وتعني الحجارة ثم أصبحت بمعنى العصر الحجري الحديث.
- تعني كلمة الطاسيلي السلسلة الجبلية التي يغطيها السواد، أما آجر فقد اختلفت الآراء حول معناها، فبينما يعرفا الباحث إبراهيم العيد بشي بجلد "الثور المسلوخ" أو "رأس الأقرع " نجد لها معنى آخر في الدراسات الأجنبية عند كل من لورد (Leredde) وهنري لوت (Lhote) وأقرنوها بالنهر أو البحيرة والمعنى الثاني هو المنتشر أكثر في، الدراسات أنظر كذلك :
Leredde (C), Etudes Ecologique et Phylogéographies du Tassili et Nil, Alger 1957, TII, p47; Dubief (J) L'Ajjer Sahara central, édition Karthala, France, 1999; Lhote (H), A la découverte des fresques de Tassili, Paris, 1958.
- محمد العيد بشي، تاسيلي ناجر، البنية الجغرافية والحضارية، دار الحبر، ج1، 2009 ، ص82.
- نفسه، ص 82.
- Dubief (J) L'Ajjer Sahara central, p 25.
- قرار 168 من الجريدة الرسمية المؤرخ في 26 جويلية 1972م
- Le Quellec (J), Art rupestre et préhistoire du Sahara, Le Messak; ed- Payot. Paris 1998.
- Dubief (J), op cit, p 25
- Ibid, pp335-338.
- Ibid. p332.
- Ibid. p332
- Ibid. p332.
- Burroughs (W.J), Climate change in prehistory, the end of Reign of Chaos, Cambridge university press, 2005.p 294.
- Leredde (C), op cit, pp 47,48.
- ibid, p151.
-Busson (H), Les document scientifique de la mission Saharienne, par: F. Foureau (fin), Annales de géographie 1960. T 15, N°:79, pp 71-77.
- محمد مجدي تراب، أشكال الصحاري المصورة ، دراسى لأهم الظاهرات الجيوميورفلوجية بالمناطق الجافة وشبه الجافة، مطبعة الانتصار لطباعة الأوفست، الإسكندرية 1996، ص125.
- نفسه، ص ص 251، 252.
- نفسه، ص 255.
- نفسه، ص 139.
- Alimen (H), Beucher (F), L'hote(H), Les gisements néolithiques de Tan Tartait, et d'I-n- Itinen, Tassili n-Ajjer (Sahara central), Bulletin de la société préhistorique Française, 1968. T 65, N°:1. pp, 421-458.
- Canvin (M), les Néolithique du Sahara central et l'histoire générale de l'Afrique, B.S.P.F, 1982. T 79, N°: 10-12, pp 439-450.
- Vaufrey (R), L'âge de la pierre au Afrique, journal de la société des Africanistes, 1953. T 23, pp 103-138; Chevalier (R), bibliographie des application archéologiques, aériennes, Bulletin d'Archéologie. II, 1857, Maroc.
- Frederic (L), manuel pratique d'Archéologie, 2eme edition, Robert-Laton. Paris, 1978, pp 46-79.
- Hugot (H.J), Le Sahara avant le désert, Revue Archéologique du centre de la France, Année 1975, volume 14. N°: 1, pp 158-160.
- Voir; Charte Européenne du Patrimoine Architectural, Adoptée par le conseil de l'Europe, octobre 1975.
- Voir; Charte Internationale Sur la Conservation et la Restauration des Monuments et des Sites,
- Voir; Charte internationale pour la gestion du patrimoine archéologique, ,Adoptée par l'ICOMOS en 1990, .
- الجريدة الرسمية للجمهورية الجزائرية، قانون رقم 67-281 المؤرخ في 20 ديسمبر سنة 1967م