السلام عليكم
بعد 52 سنة من الحادثة.. ''الخبر'' بمرتفعات بني يلمان
10 آلاف يلماني يطالبون بوتفليقة بالكشف عن الحقيقة
يصعدون كل عام يترحّمون على آبائهم ويفكّرون في الانتحار الجماعي من على قمة جبل خراط..
دعا عشرات المواطنين من بلدية بني يلمان، بمدينة القصبة التي حدثت بها مجزرة بني يلمان، الشهيرة في كتب التاريخ بأحداث ملوزة ذات 28 ماي 1957، رئيس الجمهورية السيد عبد العزيز بوتفليقة للعمل على كشف حقيقة ما جرى من أحداث، وإنصاف المنطقة مما لحق بها، وذلك عبر وقفة ترحّم أقامها هؤلاء بمناسبة مرور 52 عاما على المجزرة التي راح ضحيتها 375 من الأبرياء، مازالوا مدفونين في قبور جماعية.
الطريق إلى مدينة القصبة القديمة، الواقعة على بعد خمسة كيلومترات من بلدية بني يلمان، يوحي لك لأول وهلة بأنك بصدد التوغل في عمق تاريخ ومنطقة أخرى لا تحمل شيئا من لباس العصر. كلما تقدمت خطوة إلى الأمام، تحس بشيء في نفسك يحرّضك على المزيد من الخطوات والمزيد من الارتفاع إلى مستوى جبل خراط المتاخم للمدينة القديمة (ارتفاع 1800 متر)، والذي يمكن أن تراه من مدينة المسيلة. يقف شامخا وكأنه يحرس تاريخ موقع الحادثة الدرامية ويضم قبورها الجماعية التي ظلت قائمة إلى اليوم برفق وحنان. وكلما انجرفت إلى الأمام تحس بملامح حزن طاغٍ يعصر قلبك ويعطي لك الانطباع بأنك بصدد ولوج مملكة الأموات.
سرنا كيلومترين أو أكثر بقليل، لنجد أنفسنا في مواجهة قبور حديثة الحفر وأصحابها حديثو العهد بدار الآخرة. قيل لنا بأن هؤلاء ماتوا بغصة التاريخ الظالم، وأوصوا بدفنهم بالقرب من رائحة الآباء والأجداد، قبل أن نفيق مما وقفنا عليه من عبق الموت ورائحته العائمة في كل مكان.
نبهنا أحد الصاعدين معنا إلى موقع المجزرة بقرب الوصول إلى مدخل القصبة، الحشائش البرية وسمت الطبيعة العذراء، وتعانق السهل بالجبل والماء بالخضرة، والجدران الصخرية المحيطة بالمكان كأنها القلعة.. اجتمعت كلها لتعطي للمكان بعضا من السحر، لولا كثرة التنبيهات التي سرعان ما تصل أسماعك كل مرة تخطو فيها إلى الأمام، بأنك تقف فوق قبر أو تضع رجلك على عظام موتى عمّروا المكان، كأنهم في متحف للعرض في فضاء مفتوح.
لازال سكان بني يلمان يصرون على الصعود إلى القصبة كل عام، يأخذون معهم أبناءهم من مختلف الأعمار حتى أولئك الذين لم تتعد أعمارهم سنوات قليلة، ليس للنزهة وإنما ليفطموهم، كما قال أحدهم، على معرفة خلفيات التاريخ وعدم نسيان ذكرى الأجداد، الذين قضوا ذات يوم ذبحا داخل المسجد الجامع الذي مازال شامخا إلى اليوم وسط أطلال البيوت، يقابله من هناك مسجد الصديق، البقية الباقية من آثار تعود، حسب رواية علي جعجاع، رئيس البلدية السابق والعضو الحالي، عملية بنائه إلى القرن الرابع الهجري، لتحكي تفاصيل مأساة إنسانية قلما ينساب إلى مخيلة من يزور المنطقة لأول مرة أنها حدثت منذ خمسة عقود خلت.
كل الشواهد توحي بأنها حدثت بالأمس فقط، قبور جماعية في كل مكان، وأخرى عمرت أرض المسجد الجامع. هنا كان التحضير للاشتراك في ثورة المقراني. ومن هنا كانت أول معركة سقط فيها ستة شهداء نقلتهم فرنسا وألقت بهم في المكان المسمى ساحة الشهداء اليوم بمدينة المسيلة، قصد إلقاء الرعب وسط السكان وتنبيههم لمصيرهم المحتوم لو سوّلت لهم أنفسهم حمل السلاح ضدها. قبل أن يتم نقلهم بعد الاستقلال وتدفن رفاتهم في إحدى المقابر التي أطلق عليها اسم مقبرة الغرباء.
أمتار فقط من المكان الأول الذي غيّرت ملامحه ذات يوم من إطلالة سنوات الثمانينيات جرافات البلدية، بغية تصوير فيلم ''الصورة الأخيرة'' لمحمد لخضر حمينة. كنا بمجرد أن نسترسل في أطراف الحديث مع أحد، يجذبنا آخر ليحيلنا إلى مكان آخر ويدخلنا في جانب من مأساة أخرى، قبل أن ينادى علينا بأن وقت الوقفة وقراءة الفاتحة وقراءة النداء قد حان.
هنا لا يحضر أي طرف رسمي، وعادة ما يتم كل ذلك تحت عيون أمنية تبقى من بعيد لتشتم رائحة أي غريب عن المنطقة. جعجاع عمران، معلم متقاعد، وأحد الذين أسالوا الكثير من الحبر حول تاريخ الواقعة وأهدافها والنتائج التي جنتها فرنسا منها. لقد تمت بتخطيط من هذه الأخيرة وبتنفيذ أيادٍ من الداخل. كل شيء كان محضرا من قبل فرنسا الاستعمارية. الصحافة الفرنسية والأمريكية التي نقلت عبر الهيلكوبتر من سطيف لتصوير المجزرة، ليس لشيء إلا لأخذ الأشرطة كحجة للتشويش على قضية الجزائر وإفشال مصداقيتها في الجمعية العامة للأمم المتحدة، والإظهار للعالم أن في الجزائر حربا أهلية لا دخل لفرنسا فيها.
البكاء والدموع كانت قد عمت المكان، عندما قرأ السيد عمران الفاتحة وانهمك في دعاء طويل. وقال: ''همنا اليوم ليس الطعن في أي كان، نطالب فقط بالاعتراف بأن آباءنا ماتوا شهداء. هدفنا الحقيقة كي نخرج لإعادة دفن موتانا، لا نعترف بأي شيء سوى أن آباءنا كانوا أبرياء. لقد جمعوا في مكان واحد. انصاعوا طواعية لنداء الثورة، وقيل لهم إن قائدا مهما سوف يلقي خطابا عليهم.. جمعوا القليل من مالهم ظنا منهم أنهم سوف يتبرعون في سبيل الجهاد. قبل أن يساقوا إلى الذبح بالجامع وتنزع ملابسهم ودراهمهم، وتفعل فيهم الخناجر فعلتها. في مجزرة كانت فرنسا قريبة منها وشاهدة عليها وتحت أعين كاميرات مصوريها. وإذا كان من وشاية لحقت حينذاك بأن آباءنا كانوا مصاليين، فقد اعترف بوتفليقة بمصالي الحاج وأعاد له الاعتبار بعد تغييب طويل. فلماذا يكال التاريخ بمكيالين؟''.
الشيخ خضرة محمد أحد الناجين من المجزرة، يحكي تفاصيل ما رأت عيناه، بهذه العبارات: ''لقد رأيت مشاهد تقشعر لها الأبدان، وتذهب من شدة روعها العقول؛ أطفال لم تصل بهم مدارك الوعي بعد لمعنى الثورة ذبحوا، شيوخ في أرذل العمر، معوقون ومجانين لم يجدوا صبيحة المجزرة من يدفن أجسادهم سوى ما تبقى في القرية من نساء وعجائز، لم يقدرن على النبش في التراب، فاخترن تراب المزبلة الهش لستر الجثث. كل شيء ما زال كأنه حدث بالأمس فقط''. عبد القادر، معلم من جيل الاستقلال، يروي تفاصيل المقايضة التي تمت بين السكان ووالي الولاية في سنة 1996، عندما طلب منهم محو الشعار المكتوب على الجبل المقابل لواقعة المجزرة والذي كان يحج إليه هؤلاء كل عام، الشعار يحمل كلمات (المجد والخلود للشهداء الأبرار، ذكرى 28 جانفي 1958) مقابل أن يسمح لهم عبر وزارة المجاهدين ببناء معلم تاريخي يدفن فيه رفاة آبائهم. ''بني المعلم ومحونا الشعار، واعترفت وزارة المجاهدين حينها بـ27 من هؤلاء وضعتهم في عداد الشهداء. ثم خرّب المعلم، ولم يأت أحد ليدشنه، تنصل الكل من الوقوف في لحظة اعتراف''.
أيعقل أن يعترف بجزء، ويهمّش الجزء الآخر؟ سؤال اشترك فيه عبد القادر والشاب زريق مصطفى الذي جاء يحمل ابنه ذا الأربع سنوات، والذي قال: عشنا إفرازات الجرح وسوف ننقله لأبنائنا جيلا بعد جيل. اعترف بنا الكل.. زارنا العديد من المؤرخين وقادة الثورة بالأمس. بورقعة قال لنا: أهل بني يلمان ناس مجاهدين. قمنا بإنشاء جمعية تاريخية للحفاظ على ذاكرة القصبة، لم يعترف بها.. نحن مشوّهون في كل مكان، ينعتوننا بأبناء الحركي أينما حللنا. لم يبق لنا إلا جبل خراط، لقد فكرنا جميعا بالانتحار الجماعي من على قمته.. ''وسوف نفعلها هذه المرة'' يقول عبد القادر وشباب آخرون. ويضيف هؤلاء: ''لقد وجهنا النداء أكثر من مرة لبوتفليقة. الكل يعلم بأن ضحايا المجزرة أبرياء والشواهد موجودة. نطالب فرنسا بالاعتراف بجرائمها. ولا نتصالح مع تاريخنا نحن، قد نفعلها قريبا في حالة ما إذا ظلت لعنة الحفرة تلاحقنا. قد ننتحر يوما جماعيا ونموت على سفح جبل خراط القريب من قبور آبائنا التي مازالت تطلب العودة إلى القبور بدل تلوين عظامها المتناثرة لعشب الأرض إلى اليوم. لم يبق لنا سوى هذا الخيار، وحينها وإلى ذلك المصير نحتسب أمرنا إلى الله والتاريخ''..
عدنا أدراجنا مع نهاية الظهيرة. الكل عاد إلى طبيعته. النداء مازال قائما. المصالحة مع التاريخ. الحقيقة. الحفرة ... كان آخر ما تلقفته أسماعنا ونحن في طريق العودة: ''إلى عام آخر من ذكرى جديدة، قد يأتي معه برياح تغيير وقد لا''..
Génocide de la mechta Kasba - Village de MELOUZA
[size=24][b]***vista***[/size
المصدر.بن حليمةالبشير.المسيلة