أحس الصحابة بخطورة الفتن وفداحتها، فكانوا يسألون الرسول صلى الله عليه وسلم عن المخرج من الفتن عندما تأتي، كما في حديث العرباض بن سارية قال: (وعظنا رسول الله صلى الله عليه وسلم موعظة بليغة وجلت منها القلوب، وذرفت منها العيون، فقلنا: يا رسول الله! كأنها موعظة مودع فأوصنا، قال: أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة وإن تأمر عليكم عبد حبشي كأن رأسه زبيبة، فإنه من يعش منكم بعدي فسيرى اختلافاً كثيراً، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، عضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار)، أو كما قال المصطفى صلوات الله وسلامه عليه.
وفي حديث حذيفة عند البخاري قال: (كان الناس يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخير، وكنت أسأله عن الشر؛ مخافة أن يدركني -أي: كان يسأله عن الشر حتى يتجنب الشر ولا يقع فيه- فقلت: يا رسول الله! كنا في جاهلية وشر فجاءنا الله بهذا الخير، فهل بعد هذا الخير من شر؟ قال: نعم -أي: ستأتي شرور بعد هذا الخير-، قلت: يا رسول الله! فهل بعد ذلك الشر من خير؟ قال: نعم، وفيه دخن -أي: ليس خيراً صافياً-، قلت: وما دخنه؟ قال: قوم يهتدون بغير هديي، ويستنون بغير سنتي)، فالناس على الإسلام ولكن هناك أناس لم تتضح لهم معالم الطريق، فيدعون إلى شيء يظنونه إسلاماً وليس بإسلام، ويخلطون السنة بالبدعة، والخير بالشر، والحق بالباطل، (قلت: يا رسول الله! فهل بعد ذلك الخير من شر؟ قال: نعم، دعاة على أبواب جهنم، من أجابهم قذفوه فيها)، وهذا شر كبير، ومن هؤلاء دعاة الشيوعية، والاشتراكية، والقومية التي سماها الرسول صلى الله عليه وسلم دعوى الجاهلية وقال (دعوها فإنها منتنة)، فهم يدعون إلى دعوات سافرة وباطلة، وقد يصل الأمر إلى الشرك الصراح الذي كان عليه أهل الجاهلية، جاء في الحديث الذي في الصحيحين: (لا تقوم الساعة حتى تضطرب أليات نساء دوس على ذي الخلصة)، وذو الخلصة: صنم كان يعبد في الجاهلية،
فالرسول صلى الله عليه وسلم أخبر أن الساعة لا تقوم حتى يرتد جزء من قبيلة دوس ويعبدون ذي الخلصة مرة أخرى، ففي هذا الحديث أن كثيراً من العرب في آخر الزمان يرتدون ويعبدون الأوثان، فيصل بهم الأمر إلى الردة الواضحة البينة. قال: (فإنه من يعش منكم بعدي فسيرى اختلافاً كثيراً)، وقد حصل الاختلاف، وحصلت الفرقة، وحصلت الأهواء، فما المخرج من ذلك كله؟ قال: (عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي)، فهذا هو المخلص عندما يكون دعاة على أبواب جهنم، ونحن لا نقبل بالإسلام بديلاً، قال الله: وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ [آل عمران:85] وقال: كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْمًا كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ [آل عمران:86]، ويقول الرسول عليه الصلاة والسلام: (تركتكم على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك). قال حذيفة : (يا رسول الله! فما تأمرني إن أدركني ذلك؟ قال: تلزم جماعة المسلمين وإمامهم، قال: فإن لم يكن لهم جماعة ولا إمام؟ قال: فاعتزل تلك الفرق كلها ولو أن تعض على أصل شجرة حتى يدركك الموت وأنت كذلك). هذه وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم للأمة كي تخرج من الفتن،
المصدر : النجاة من الفتن الشيخ : عمر الاشقر