السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
نبدأ بخير ما بُدأ به :
الحمد لله وحده ، والصلاة والسلام على من لا نبيّ بعده ..
إخواننا ..
ما أجمل أن يظمأ الإنسان نـهاره ..
ما أجمل أن يقوم الإنسان ليله ..
ما أجمل أن يتصدق الإنسان بـماله ..
ما أجمل أن يحي الإنسان وقت سحره ..
وما أجمل أن يغض الإنسان طرفه ..
ما أجمل أن يكف الإنسان شره ..
ما أجمل أن يترك الإنسان ذنبه ..
ما أجمل أن يعيش الإنسان بين رجاءه وخوفه ..
لله أنتم أيها المؤمنون :
( قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ (2) وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ (3) وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ (4) وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (5) إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (6) فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ (7) وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ (
وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ (9) أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ (10) الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ) .
إخواني ..
هل جرَّب أحدٌ منا أن يجافي مضجعه؟
فـي ليلة من ليالي الشتاء الباردة ..
هل جرَّب أحدٌ منا أن يختلي بحبيبه؟
ويترنم في أفضل أوقات ليله ؛ السحر ..
هل جرَّب أحدٌ منا أن يترك زوجته الحسناء ؟
ويتلو كتاب الله ، يطير به قلبه إلى عنان السماء ..
هل جرَّب أحدٌ منا أن يعتزل الأحبة في سمر الليل ؟
وينفرد لربه ، طائعاً راجياً منيباً أواباً خائفاً محباً ..
من لم يجرب هذا!
فأراه لم يذق لذة في الحياة أبداً ..
إخواني الأحباب :
إليكم زفرات ، وأنات ..
إليكم آهات ، ولوعات ..
إليكم أحاديث وآيات :
قال ربي جل جلاله وتقدست ذاته : ( أَمْ مَنْ هُوَ قَانِتٌ آَنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآَخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ ) .
وقال : ( إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (*) آَخِذِينَ مَا آَتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ (*) كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ (*) وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ ) .
وقال : ( وَمِنَ اللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ وَسَبِّحْهُ لَيْلًا طَوِيلًا ) .
وقال : ( إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآَيَاتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّدًا وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ (*) تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (*) فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ) .
وقال يصف عباده : ( وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا ) .
وعن عبد الله بن سلام أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( أيها الناس أفشوا السلام ، وأطعموا الطعام ، وصلّوا بالليل والناس نيام ، تدخلوا الجنة بسلام ) رواه الترمذي وصححه .
وعن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( أفضل الصيام بعد رمضان شهر الله المحرم ، وأفضل الصلاة بعد الفريضة صلاة الليل ) رواه مسلم .
ولا عجب أن يكون في الليل وقت لاستجابة الدعاء ..
فعن جابر بن عبد الله قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( إن في الليل لساعة لا يوافقها رجل مسلم يسأل الله تعالى خيراً من أمر الدنيا والآخرة إلا أعطاه إياه ، وذلك كل ليلة ) رواه مسلم .
وكذلك فإن قيام الليل شرف المؤمن ..
فعن سهل بن سعد قال : جاء جبريل عليه السلام إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : ( يا محمد عش ما شئت فإنك ميت ، واعمل ما شئت فإنك مجزي به ، وأحبب ما شئت فإنك مفارقه ، واعلم أن شرف المؤمن قيامه بالليل ، وعزه استغناؤه عن الناس ) رواه الترمذي وقال: حسن صحيح غريب .
ولا عجب أن يحب الله قائم الليل ويضحك إليه ، وكذا المجاهد وراء فئة انكشفت ..
فعن أبي الدرداء عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( ثلاثة يحبهم الله ، ويضحك إليهم ، ويستبشر بهم : الذي إذا انكشفت فئة قاتل وراءها بنفسه لله عز وجل ، فإما أن يقتل ، وإما أن ينصره الله عز وجل ويكفيه ، فيقول : انظروا إلى عبدي هذا كيف صبر لي بنفسه.
والذي له امرأة حسناء وفراش لين حسن ، فيقوم من الليل ، فيقول : يذر شهوته ويذكرني ولو شاء رقد.
والذي إذا كان في سفر ، وكان معه ركب فسهروا ثم هجعوا ، فقام من السحر في ضراء وسراء ) قال المنذري : رواه الطبراني في الكبير بإسناد حسن .
وكذلك فإن الحسد محرّم كله ، إلا في هذا الموطن ، والصدقة ، وهو ما يعرف بـالغبطة .
والأدلة في هذا كثيرة والله المستعان .
قال عبد الله بن رواحة ، يصف النبي صلى الله عليه وسلم :
وفينا رسول الله يتلو كتابه * إذا انشف معروف من الصبح ساطع
أرانا الهدى بعد العمى فقلوبنا * به موقنات أن ما قال واقع
يبيت يجافي جنبه عن فراشه * إذا استثقلت بالمشركين المضاجع
فلله أنتم أيا قائمي الليل ..
بالله عليكم كيف صرتم ؟
بالله عليكم كيف أصبحتم ؟
بالله عليكم ما سر نوركم ؟
بالله عليكم من أين سروركم ؟
بالله عليكم ما أسعد دوركم ؟
بالله عليكم ما أضحك سنكم ؟
بالله عليكم ، لله دركم أين هو سبيلكم ؟
امنع جفونك أن تذوق مناما * وأذر الدموع على الخدود سجاما
واعلم بأنك ميت ومحاسب * يا من على سخط الجليل أقاما
لله قوم أخلصوا في حبه * ورضا بهم واختصهم خداما
قوم إذا جن الظلام عليهم * باتوا هنالك سجداً وقياما
خمص البطون من التعفف ضمراً * لا يعرفون سوى الحلال طعاما
قال الحسن البصري : ما نعلم عملاً أشد من مكابدة الليل ونفقة هذا المال ، فقيل له : ما بال المتهجدين من أحسن الناس وجوهاً ؟!
قال : لأنهم خلوا بالرحمن فألبسهم نوراً من نوره .
قلتُ -أبودجانة- : في واقعنا لم نعلم عملاً أشد من جهاد أهل النفاق والردة ، فإنه لا يقوم به إلا خاصة الخاصة ، أو خلصة الخلصة .
قال الفضيل بن عياض : إذا لم تقدر على قيام الليل وصيام النهار ، فاعلم أنك محروم ، وقد كثرت خطئتك .
أعاذنا الله من ذلك ..
قيام الليل دأب الصالحين ..
قيام الليل ميراث النبيين ..
قيام الليل قرة عيون الصديقين ..
قيام الليل مهر الحور العين ..
قيام الليل سجع المسبحين ..
قيام الليل أنين المذنبين ..
قيام الليل قربٌ من رب العالمين ..
يقول مالك بن دينار : سهوت ليلة عن وردي ونمت ، فإذا أنا في المنام بجارية ، كأحسن ما يكون وفي يدها رقعة ، فقالت لي :أتحسن القراءة ؟ ، فقلت : نعم ، فدفعت إليّ الرقعة فإذا فيها :
أألهتك اللذائذ والأماني * عن البيض الأوانس في الجنان
تعيش مخلداً لا موت فيها * وتلهو في الجنان مع الحسان
تنبه من منامك إن خيراً * من النوم التهجد بالقرآن
أخي إنها حوراء ..
قرة العيون ..
وفوق الظنون ..
وزوج المؤمنون ..
ونعيم الصالحون ..
وعشيقة الصديقون ..
غادة ذات دلال ومرح * يجد الناعت فيها ما اقترح
خلقت من كل شيء حسن * طيب فالليت فيها مطرح
زانها اللّه بوجه جمعت * فيه أوصاف غريبات الملح
وبعين كحلها من غنجها * وبخد مسكه فيه رشح
ناعم تجري على صفحته * نضرة الملك ولألاء الفرح
أترى خاطبها يسمعها إذ * تدير الكأس طورا والقدح
في رياض مونق نرجسه * كلما هب له الريح نفح
وهي تدعوه بود صادق * ملىء القلب به حتى طفح
يا حبيبا لست أهوى غيـ * ـره بالخواتيم يتم المفتتح
لا تكونن كمن جد إلى * منتهى حاجته ثم جمح
لا فما يخطب مثلي من سها * إنما يخطب مثلي من ألح
يا لله إذا تبسمت فأشرقت ..
ويا لله إذا أقبلت فأسحرت ..
ويا لله إذا ضحكت فأنورت ..
ويا لله إذا تغنجت فأطربت ..
ويا لله إذا غنت فأسمعت ..
ويا لله إذا قَبَّلت فأولعت ..
ويا لله إذا ضمت فألزمت ..
ويا لله إذا غابت تحسنت وتجملت ..
ويا لله ما أطيب ريحها ..
وما ألطف مس جيدها ..
وما أرق لفظ حديثها ..
وما أشف لحم جسدها ..
وما أحلى رحيق لعابها ..
وما أجمل نشيدها ..
ولله كم من خيرة إن تبسمت * أضاء لها نور من الفجر أعظم
فيا لذة الأبصار ان هى اقبلت * ويالذة الأسماع حين تكلم
ويا خجلة الغصن الرطيب اذا انثنت * ويا خجلة الفجرين حين تبسم
فان كنت ذا قلب عليل بحبها * فلم يبق الا وصلها لك مرهم
ولا سيما فى لثمها عند ضمها * وقد صارمنها تحت جيدك معصم
تراه إذا أبدت له حسن وجهها * يلذ به قبل الوصال وينعم
تفكه منها العين عند اجتلائها * فواكه شتى طلعها ليس يعدم
عناقيد من كرم وتفاح جنة * ورمان اغصان به القلب مغرم
وللورد ما قد البسته خدودها * وللخمر ما قد ضمه الريق والفم
تقسم منها الحسن فى جمع واحد * فيا عجبا من واحد يتقسم
لها فرق شتى من الحسن أجمعت * بجملتها إن السلو محرم
فيا لها من حسناء جميلة ..
غالية حبيبة عجيبة ..
مقصور الطرف والحب لكَ ..
إخواني الأحباب :
أفلا أخبركم بعمل هو أجلّ ..
عمل هو أرقّ وأدل ..
عمل هو أغلى وأعل ..
عمل هو أدوم وأسل ..
عمل هو أخلق وأفضل ..
أما ترى معي أن الجهاد والرباط والاستشهاد ..
كأنك قمت فلا فترت ، وصمت فلا أفطرت !!
أما تعلم أن للشهيد :
اثنين وسبعين من حور العين هذا ..
يزف لها يوم استشهاده ..
يضمها ضمة أربعين عاماً ..
تشتاق له ، وتغار عليه ..
فإذا انتقل لها الحبيب :
فوالله لا يجف دم الشهيد حتى تلقاه
وتستمتع بشهود نورها عيناه
حوراء عيناء .. جميلة حسناء
بكر عذراء .. لم يطمثها إنس قبله ولا جان
أما ترى أن وصفها :
تولد نور النور من نور وجهها * فمازج طيب الطيب من خالص العطر
فلووطئت بالنعل منها على الحصى * لأعشبت الأقطار من غير ما قطر
ولو شئت عقد الخصر منها عقدته * كغصن من الريحان ذي ورق خضر
ولو تفلت في البحر شهد رُضَاِبها * لطاب لأهل البر شرب من البحر
يكاد اختلاس اللحظ يجرج خدها * بجارج وهم القلب من خارج السر
فلله أنتَ أيها المشتاق ..
أما في صدرك لوعة ..
أما في قلبك سلوة ..
أما في جسدك رشقة ..
أما في عينك نظرة ..
أما في خياليك طوفة ..
حور من العين تناديك ..
وتحلّ بنواديك ..
وهي تناديك ..
يا حبيب حبيبتك ..
ويا عشيق عشيقتك ..
ويا سلوة عزلتك ..
ويا أنيس وحشتك ..
ويا قرين وحدتك ..
فيا خاطب الحسناء إن كنت راغبا * فهذا زمان المهر فهو المقدم
ولما جرى ماء الشباب بغصنها * تيقن حقا أنه ليس يهرم
وكن مبغضا للخائنات لحبها * فتحظى بها من دونهن وتنعم
وكن أيما ممن سواها فإنها * لمثلك فى جنات عدن تايم
وصم يومك الأدنى لعلك فى غد * تفوز بعيد الفطر والناس صوم
وأقدم ولا تقنع بعيش منغص * فما فاز باللذات من ليس يقدم
وإن ضاقت الدنيا عليك بأسرها * ولم يك فيها منزل لك يعلم
فحى على جنات عدن فإنها * منازلنا الأولى وفيها المخيم
ولكننا سبى العدو فهل ترى * نعود إلى أوطاننا ونسلم
وقد زعموا أن العدو إذا نأى * وشطت به أوطانه فهو مغرم
وأى اغتراب فوق غربتنا التى * لها أضحت الأعداء فينا تحكم
ما أحلى عيشك أيها الشهيد ..
بطل من الأبطال صنديد ..
أسد من الوغى وشديد ..
صاحب عزيمة كالحديد ..
ينال شهادة قبل العبيد ..
ويزف للحوراء الشهيد ..
فأقول :
هذا الطريق ، فأين السالك ؟
والله من وراء قصد .
وهذا الموضوع نزولاً على رغبة أخي الحبيب أسامة ..
حيث قال :
اقتباس:
أخي الغالي هازم الصلبان
بالرغم من الأعذار
إلا أنني أود أن أقرأ شيء لك
وهذا أول قطرة ، ولم يكن في بالي موضوع معين .
إلا نزولاً عند رغبته ، وكتابة موضوع .
فأتى على لفظ لساننا قيام الليل وحور العين
موضوع لاخينا في الإخلاص سابقا و الفلوجة
الاخ الحبيب هازم الصلبان حفظه الله
*****