بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
القسم في القرآن الكريم
قال رحمه الله تعالى: (الإقسام: القسم تحقيق للخبر وتوكيد له، ولا يكون إلا بمعظَّم، وهو تعالى يقسم بنفسه المقدسة الموصوفة بصفاته، وبآياته المستلزمة لذاته وصفاته تارة على التوحيد وتارة على أن القرآن حق، وتارة على أن الرسول حق وتارة على الجزاء والوعد والوعيد وتارة على حال الإنسان، والقسم إما ظاهر وإما مضمر، وهو قسمان: قسم دلت عليه اللام نحو: لتبلون وقسم دل عليه المعنى نحو: وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا
ذكر المؤلف هنا ما يتعلق بالقسم في القرآن، وقد ألف ابن القيم في هذا الموضوع كتابا طبع في مجلدين عنوانه: (التبيان في أقسام القرآن) قال المؤلف: ( القسم، القسم هو الحلف بمعظم) قال (وفي القسم تحقيق للخبر وتوكيد له) هذه فائدة من فوائد وجود القسم في القرآن، والتوكيد في لغة العرب وتحقيق الخبر له طرق متعددة: منها القسم، ومنها أدوات التأكيد مثل (إنَّ) ونحو ذلك.
قال: (والقسم لا يكون إلا بمعظَّم) يعني لا تقسم بشيء إلا إذا كان معظًَّما (وهو تعالى يقسم بنفسه المقدسة) كما في قوله سبحانه: فَوَرَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَالشَّيَاطِينَ أو يقسم بشيء من صفات، وكذلك يقسم سبحانه وتعالى بآياته، والآيات قد يكون المراد بها الآيات المسموعة التي هي صفة من صفاته، وقد يقسم سبحانه بآياته المخلوقة مثل الشمس والقمر والليل والنهار قال تعالى: وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا وليُعلَم أن القسم بغير الله خاص به سبحانه، فإن الله له أن يقسم بما شاء من خلقه، أما المخلوق فإنه لا يجوز له أن يقسم ويحلف إلا بالله سبحانه وتعالى، كما ورد في حديث ابن عمر: من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك في السنن، وفي الصحيح من كان حالفا فليحلف بالله أو ليصمت
قوله: (بآياته المستلزمة لذاته) يعني أن الآيات المخلوقة دالة ومرشدة على الذات، وعلى صفات الله سبحانه وتعالى، فهذا الكلام المتقدم متعلق بالمقسم به، والمقسم به إما أن يكون هو الله، وإما أن يقسم الله بشيء من آياته، ثم بعد ذلك ذكر المؤلف المقسم عليه، مثال ذلك قوله سبحانه: فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ هنا عندك أداة قسم، وهى الواو فَوَرَبِّكَ ومقسم به (ربك) ومقسم عليه وهو الخبر الذي يراد تحقيقه، وهو قوله: لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ
فهذه القضايا المقسَم عليها تارة تكون في التوحيد وأغلبها في توحيد الألوهية، في إفراد الله بالعبادة، وتارة تكون في إثبات أن القرآن حق، يعني في قوله سبحانه: وَالصَّافَّاتِ صَفًّا إلى أن قال: إِنَّ إِلَهَكُمْ لَوَاحِدٌ هذا في الألوهية، وفي القرآن قوله: فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ إلى أن قال: إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ وتارة في إثبات أن الرسول حق يس وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ وتارة في إثبات اليوم الآخر والجزاء والوعد والوعيد مثل قوله: وَالْمُرْسَلَاتِ عُرْفًا إلى أن قال: إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَوَاقِعٌ وتارة على أحوال الإنسان، واختلافهم في سعيهم كما في قوله سبحانه: وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى الآية، فهذا متعلق بالمقسم عليه.
ننتقل بعد ذلك إلى أدوات القسم، القسم قد يكون بالواو أو كما في قوله سبحانه: فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ وهذا أغلب القسم، وهو أكثر ما في القرآن، وقد يكون القسم بالتاء: تَاللَّهِ لَقَدْ عَلِمْتُمْ فهنا قُدِّمت التاء، والغالب في التاء أن تكون خاصة بلفظ الجلالة: الله.
ما بقي من أدوات القسم؟ نعم الباء، مثل أيش لو من غير القرآن؟ (بالله) طيب.
وقد يكون القسم أيضا بحذف الأداة، تحذف الأداة، أو تحذف الأداة والمقسم به ويبقى المقسم عليه فقط كما في سورة (التكاثر) لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ قال كثير من العلماء اللام هنا اللام المقارنة لجواب القسم، فهنا ذكر المقسم عليه ولم يذكر أداة القسم ولم يذكر المقسم به ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ
ومثل قوله سبحانه مِثل ما مثَّل به المؤلف لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا فهنا اللام تكون مقارنة لجواب القسم، مما يدل على أن هناك قسما محذوفا.
وقد يكون جواب القسم والمقسم عليه متقدما على القسم، كما في قوله سبحانه: وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ فقد قال طائفة بأن هنا قُدِّم جواب القسم والمقسم عليه، يقول: (هذا الإضمار لأداة القسم على نوعين: إضمار مدلول عليه باللام المقارنة للجواب كما تقدم، وهناك إضمار لحرف القسم والمقسم به، لكنه ليس معه لام في جواب القسم، وإنما يدل عليه المعنى، ويمثلون له بقوله سبحانه: وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كأنه قال والله إن منكم إلا واردها، ويمثلون له بقوله سبحانه: إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ هذا ما يتعلق بالقسم، ولعلنا نترك ما يتعلق بالخبر والإنشاء ليوم آخر.
نسأل الله عز وجل أن يرزقنا وإياكم العلم النافع والعمل الصالح، وأن يجعلنا وإياكم هداة مهتدين، وأن يرزقنا وإياكم الهدى والاستقامة على الخير والحق والرشاد، وأن يصلح أحوال الأمة وأن يردهم إلى دينه ردا جميلا، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.
يقول السائل: نرى يا فضيلة الشيخ أن كثيرا من علماء اللغة وكثيرا من الأصوليين يقولون بالمجاز، وفي المقابل نرى أن من اهتم بأمور العقيدة وتفاصيلها أنكر ذلك، فهل إنكار من أنكر هو فقط من أجل أنه ذريعة إلى أهل الأهواء والبدع إلى تأويل الصفات؟
تقدم بيان أن من أنكر المجاز التفت فيه إلى الجملة كاملة يقول: إن العرب لا تتكلم بالألفاظ مفردة، وأن من أثبت وجود المجاز نظر إلى دلالة اللفظ مجردا، وحينئذ فالقول بأن نفي المجاز لما قد يرتب عليه نفي الصفات هذا ليس بصحيح، يعني لا يصح أن ننفي الشيء لآثاره، لأن الآثار نتيجة، والنتيجة ليست سببا في نفي المقدمة، وحينئذ فالتفات مَن نفى المجاز إلى قضية: هل المعتبر في كلام العرب الالتفات إلى الألفاظ مجردة أو النظر فيه إلى سياق الكلام وجملته.
أسأل الله عز وجل أن يوفقنا وإياكم للخير وصلى الله على نبينا محمد.
شرح الشيخ سعد بن ناصر الشتري