السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
كثير من الشباب يدرك أنه على طريق خاطئ، ويتمنى أن يسلك طريق الاستقامة -وسيأتي إن شاء الله ما يؤيد ذلك - لكن هناك عوائق وحواجز تحول بينهم وبين طريق الاستقامة، وعندما نتحدث عن هذه العوائق لا نعني أنها تعتبر عذراً ومانعاً لهم، فإن كل شاب مسؤول أمام الله سبحانه وتعالى مهما كان عنده من العوائق والعقبات، ولئن كان البعض يدعي أن الذي يمنعه ويحجزه عن سلوك طريق الالتزام والاستقامة هي هذه العوائق فهناك الكثير من الشباب عندهم من العوائق التي لا تقارن أبداً تلك العوائق التي يحتج بها هؤلاء الشباب
أولاً: التعلق بالشهوات:
أكثر من 62% من طلاب المرحلة المتوسطة و 56 % من طلاب المرحلة الثانوية و 52 % من الفئة التي هداها الله ( النتائج حسب دراسةأجريت باد الدول الإسلامية) يرون أن التعلق بالشهوات يعتبر عائقاً من عوائق الاستقامة ، فالشاب يعرف الحق ويراه واضحاً لكن نفسه قد تعلقت بهذه الشهوة، وقد توجهت لها، فأصبح أسيراً لا يستطيع الانتصار على نفسه، ولا يستطيع أن يترك هذا الطريق لأنه يعلم أنه سوف يخسر هذه الشهوات واللذات العاملة التي يجدها .
ثانيا : الجليس:
قد يفكر الشاب بالاستقامة، بل إنه قد يقدم عليها، بل قد يخطو خطوات عملية في ذلك، ولكن عندما يعود إلى جلسائه وزملائه سرعان ما يعود إلى حالته السابقة، و المرء على دين خليله ويحشر يوم القيامة مع من أحب، لذلك إذا كان الشاب جادًّا فعلاً، ويريد أن يسلك طريق الاستقامة فأول قرار يتخذه -بعد التوبة الصادقة لله عز وجل- هو أن يتخلى عن جميع هؤلاء الجلساء، وأن يقول لزميله أو صديقه : "هذا فراق بيني وبينك "، ويجب أن يعلم أنه عندما يفقد أولئك فإنه لن يعيش وحيداً، بل يستبدل أولئك بالجلساء الأخيار الذين يقول الله تعالى عنهم : ( الأخلاء يومئذٍ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين) [ الزخرف:67.
ثالثا : عدم تصور خطورة الأمر:
كثير من هؤلاء الشباب مع إدراكه لخطأ الطريق الذي هو عليه ورغبته في الاستقامة إلا أنه لا يتصور خطورة هذا الذي يسير عليه، فتراه يتساهل ويتهاون بالمعاصي بل بالكبائر والموبقات، ولا يمنعه أي وازع عن ارتكاب أي معصية أو أي فاحشة، بل تجده يسعى إليها بكل وسيلة، بل يساهم في نشرها بكل الوسائل، كما أن بعضهم قد يفعل بعض الأمور المخرجة من الإسلام كترك الصلاة أو السخرية و الاستهزاء بالدين وأهله ، و مع ذلك كله يشعر بأن الأمر ليس فيه خطورة .
رابعا : الفهم الخاطئ للوسطية :
كلمة يتفق عليها الجميع لكن يبقى فهمها وتفسيرها، فالجميع يتفقون على أن المغالاة والمبالغة في التشدد والغلو أمر غير مرغوب فيه، ويتفقون على أن الانحراف والتفريط والكسل هو الآخر أمر غير مرغوب فيه، ويتفق الجميع على سلوك طريق الوسط، بل إن سنة الله في الكون قائمة على الوسطية، و دين الله قائم على الوسطية في كل أمر، إن طريق الوسطية هو ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه ،فالمعيار للوسطية ؟ هو حياة النبي صلى الله عليه وسلم وحياة أصحابه وحياة السلف الصالح وما زاد عنه فهو غلو، وما كان دون ذلك فهو إهمال وانحراف وتفريط .
خامسا : عدم وجود المعين:
قد لا يجد الشاب من يعينه على طريق الاستقامة أو طريق الخير، والبشر لا يستغنون عن ذلك، ولذلك يخاطب الله سبحانه وتعالى نبيه فيقول : (واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ولا تعد عيناك عنهم ) [ الكهف:28] ، وهاهو موسى يدعو ربه فيقول (واجعل لي وزيراً من أهلي هارون أخي اشدد به أزري) [ طه:29-31] ، ويقول تعالى له: (سنشد عضدك بأخيك ) [ القصص:35]، فإذا كان الأنبياء يحتاجون إلى من يعينهم على هذا الطريق فغيرهم من باب أولى إذاً فابحث عن هذا الجليس فإنه خير معين لك .
سادسا: ثقل التكاليف:
فغير المستقيم يعلم أنه سيترتب على استقامته تكاليف شرعية مثل التخلي عن الشهوات وتحمل بعض الواجبات وبعض الأعباء التي لا يحرص عليها كالاستيقاظ لصلاة الفجر، وسيعرف أن الحياة والتكاليف ستكون ثقيلة عليه، ولذلك قد يتردد في الالتزام بهذا الأمر.
سابعا : العجز عن اتخاذ القرار الحاسم:
من النتائج المفاجئة أن 92% من طلاب المرحلة المتوسطة و 92% من طلاب المرحلة الثانوية سبق أن فكروا بالالتزام،إذاً القضية ليست قضية عدم قناعة بل هو فكر فعلاً أن يسلك طريق الالتزام، بل إن 74% من طلاب المرحلة المتوسطة و71% من طلاب المرحلة الثانوية فكروا أكثر من ثلاث مرات، فهذا يعني أنه قد تكرر تفكيره وعزمه على هذا الأمر، بل إن كثيراً منهم قد خطا خطوات عملية في ذلك لكنه لم يستطع فما هو السبب؟ قال بعضهم: ضعف الإرادة، فهذا الشاب يبقى أمامه قرار يجب أن يتخذه، وقرار حاسم سيغير حياته كلها، قرار يودع به حياة الغفلة والإعراض، ويسلك طريق الالتزام والاستقامة، وهذا القرار سيحتاج إلى عزيمة قوية.
ثامنا: الاعتذار بالقدر:
كثير من الشباب عندما يوجه له سؤالاً يقول : إنك لا تهدي من أحببت، وأن الهداية بيد الله سبحانه وتعالى، نعم الهداية بيده سبحانه وتعالى والضلالة كذلك بيد الله سبحانه وتعالى، فالرسول صلى الله عليه وسلم يقول:"يكتب للإنسان رزقه وأجله وعمله وشقي أم سعيد" فأنت الآن تسلك طريق الشقاوة وتقول :لم يرد الله هدايتي فاخترت أحد الطريقين، فما بالك تجتهد في طلب الرزق ولا تتكل على القدر، و تتجنب المخاطرة خشية الموت ولا تتكل على القدر، أما طريق الشقاوة وارتكاب الشهوات فتسلكها ولا تحتج بالقدر، فهذه مجرد مخادعة نفسية .
تاسعا: التسويف :
وقد ورد أيضاً ضمن العوائق التي ذكرها الشباب ووردت فيه إجابات شفوية لبعض الشباب فيقول أحدهم : إن البعض منا يقول حتى أتزوج، والبعض منا يقول حتى أتخرج، حتى يتقدم بي العمر، وهذا نسى أو جهل أنه قد تخطفه المنية قبل أن يعمل ما أراد، ويقول أحدهم في الكلمة الأخيرة: إن شاء الله مهما بعُد الزمن فسوف أعود إلى الله، وأعمل الأعمال الصالحة إن شاء الله تعالى، إذاً ما الذي يمنعه ؟ الذي يمنعه هو التسويف، فهو يقول لابد أن أعود إلى الله وإلى الاستقامة والالتزام ولو بعد زمن.
عاشرا: انتظار المصائب:
عندما تسأل الشاب يقول : أنه ينتظر أن يحصل له حادث أو أن يموت له قريب أو أن يحصل له أمر يعظه ويدعوه ليسلك طريق التوبة، أيضاً من الإجابات التي وردت عن العوائق الأخرى يقول أحدهم : حادث، أو كالأمور الأخرى التي تؤثر على الشباب حتى يسلك طريق الاستقامة .
بقي أن أقول أن ما عرض من عوائق إنما هو مجرد عرض لها، وبقي الحديث عن أدوار مهملة يجب أن تستغل لإنقاذ هؤلاء الشباب : كخطب الجمعة ، و دور أئمة المساجد ، و العائلة خصوصا الأب.
نسأل الله أن يوفقنا للحق والصواب ، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.