من أعظم المحرمات في الإسلام، ومن أكبر الكبائر عند الله : رمي المحصنات الغافلات المؤمنات بالزنى وارتكاب الفاحشة، ظلما وزورا، لما في ذلك من تلويث سمعة الإنسان البرئ، وما فيه من تجريء الناس على المعصية وإشاعة الفاحشة في المجتمع المؤمن, ولا سيما إذا كان رامي المحصنة يعلم أنه كاذب مزور فيما يقول، وليس مبنيا على سوء ظن، أو نحو ذلك.
والرسول صلى الله عليه وسلم اعتبر رمي المحصنات الغافلات المؤمنات: من (الموبقات السبع) التي حذر الأمة منها، و(الموبقات) أي المهلكات، فهي مهلكات للفرد، ومهلكات للجماعة، مهلكات في الدنيا، ومهلكات في الآخرة.
يقول عليه الصلاة والسلام: "اجتنبوا السبع الموبقات، قيل: وما هن يا رسول الله؟ قال: "الشرك بالله تعالى، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات، والتولي يوم الزحف"
وفي القرآن الكريم: {إن الذين يرمون المحصنات الغافلات المؤمنات لعنوا في الدنيا والآخرة ولهم عذاب عظيم. يوم تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون. يومئذ يوفيهم الله دينهم الحق ويعلمون أن الله هو الحق المبين}النور:23-25
وقد جاءت هذه الآيات –المتضمنة لهذا الوعيد الهائل باللعنة في الدنيا والآخرة والعذاب العظيم عند الله، وشهادة جوارحهم عليهم، في سياق (حديث الإفك) الذي افتراه المفترون على الصديقة بنت الصديق، عائشة أم المؤمنين، وأحب إنسانة إليه بعد خديجة، وقد برأها الله جل شأنه من فوق سبع سموات، ونزل فيها قرآن يتلى إلى ما شاء الله: {لولا إذ سمعتموه ظن المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم خيرا، وقالوا: هذا إفك مبين. لولا جاءوا عليه بأربعة شهداء، فإذا لم يأتوا بالشهداء، فأولئك عند الله هم الكاذبون}النور:12-13 إلى آخر الآيات من سور النور.
وقد فرض الله عقوبة، -بل عقوبات ثلاث – للقاذف: عقوبة بدنية ، وهي: الجلد ، وعقوبة أدبية، هي: إسقاط الشهادة، وعقوبة دينية وهي: رميه بالفسق.. إلا أن يتوب ويصلح ما أفسده. قال تعالى: {والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة، ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا، وأولئك هم الفاسقون. إلا الذين تابوا من بعد ذلك وأصلحوا، فإن الله غفور رحيم}النور:4-5
وهذا الاستثناء في الآية الكريمة:{إلا الذين تابوا من بعد ذلك وأصلحوا} هو الذي يفتح الباب لأخينا (النادم ) الذي افترى على هذه المرأة الشريفة العفيفة بالباطل والزور، مظاهرا بالبطولة الزائفة في المغامرات المحرمة، ولو صحت لم تكن بطولة، وإنما هي ضعف وانحلال، واتباع لخطوات الشيطان، وخضوع لسلطان الغريزة الحيوانية، فكيف وهي مكذوبة مختلقة من أساسها؟
ولا توجد (كفارة معينة) لتلك المعصية، إنما توجد (مكفرات عامة) لمن وقع في المعاصي والكبائر، ويريد أن يتطهر منها.
من هذه المكفرات:
1. التوبة النصوح، فإنها تغسل الإنسان من الذنوب، كما يغسل الماء الوسخ، والتائب من الذنب كمن لا ذنب له: {إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين}البقرة:222
2. الاستغفار، بصيغه المختلفة التي وردت في القرآن والسنة، وقد قال تعالى:{ومن يعمل سوءا أو يظلم نفسه، ثم يستغفر الله يجد الله غفورا رحيما}النساء:110
3. الأعمال الصالحة: من الوضوء، الصلاة، الصيام، والصدقة، والحج، والعمرة، وبر الوالدين، والذكر، والدعاء، وتلاوة القرآن، وفعل الخير، والجهاد في سبيل الله. كما قال تعالى:{إن الحسنات يذهبن السيئات}هود:114 وقال صلى الله عليه وسلم:"وأتبع السيئة الحسنة تمحها" .
ومما ينفع التصدق بصدقة، فإنها تطفئ الخطيئة، كما يطفئ الماء النار، وخصوصا صدقة السر.
كما يمكن أن يعتمر عمرة لله تعالى، قاصدا بها أن يكفر الله عنه هذه الخطيئة، ويصلي في المسجد الحرام ما يسرالله له، من أجل ذلك.
كما عليه أمر آخر مهم، وهو: أن يستغفر لهذه المرأة المفترى عليها، كلما تذكر ذلك الذنب العظيم.
وقد قال تعالى لرسوله: {قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم، لا تقنطوا من رحمة الله، إن الله يغفر الذنوب جميعا، أنه هو الغفور الرحيم}الزمر:53
حَدُّ القذف في الشرع الإسلامي
1) حَدُّ القَذْف في الشرع الإسلامي من نظام العقوبات هو ثمانون جلدة يَشهَدها الناس في العَلَن.
والسبب الموجِب له هو اتهام شخص شخصًا آخر مُحْصَنًا بالزِّنَى (سَواءٌ أكان القاذِف أم المَقذوف رجلاً أو امرأة) ولم يَستطع القاذِف إقامة البَيِّنة (أربعة شُهداء من الرجال مُسْتَوفِين شرائط الشهادة) على صِدْق اتهامه، فحينئذ يُحَدُّ حدَّ القَذْف، صِيانة لأعراض الناس من أن تُخدَش بالاتهامات الكاذبة، أو التي تُلقَى كيفما كان سِبابًا وشَتمًا دُونَ تَثَبُّت.
يَتَبَيَّن لك من ذلك أنَّ حدَّ القَذْف ليس مخصوصًا بِقَذْف النساء، بل يَشْمل قذف الرجال، ذلك لأن القذف بالباطل له انعكاسات ذاتُ عواقِبَ خطيرةٍ في المجتمع الإسلامي وفي الأنساب؛ التي يَحْرِص الشرع أشدَّ الحِرْص على صِيانتها، فَوَجَب الرَّدْع عنه بِزاجِر يَتناسب معه، كَيْلا يَسْهُل على الناس هذا التقاذف الخطير في السِّباب والشَّتْم.
2) إن القَذْف وما يُوجِبُه من عقوبة الحدِّ لا يَنحصِر في القذف بالزنَى فقط، بل يَشمَل القذف باللِّواط، قِياسًا على الزِّنَى عند جمهور الأئمة سِوَى الحَنَفِيَّة، فإنهم، أي: ـ الحنفية ـ يَرَون اختصاص حدِّ القَذْف بِتُهمة الزِّنَى. أما اللِّواط فعقوبة القذف به عندهم هي التعزير، وليست هي الحدّ المذكور (أي: ثمانين جلدة)، والتعزير عقوبة عامَّة ليس لها نوع وقَدْر محدَّدان (كما في الحدود)، بل التعزير يُفَوَّض لرأي ولي الأمر الحاكم أو القاضي فيما يَراه كافيًا للرَّدْع، نَوعًا وقَدْرًا، ولو بالإعدام