بسم الله الرحمن الرحيم
أسوق لكم على أصابعي التي قد توارت بثوب الحياء , أولى كلماتي في هذا الملتقى العامر راجيا إياكم أن تحَلوا أسطري القادمة بآرائكم الفواحة وانتقاداتكم البناءة وقبل أن يتمكن الملل منكم ويلقي بخيوطه على أعينكم الناعسة أترككم مع ما كتبت :
بين طيات الدهر, وصفحات الأحوال, كان الفقر يقلب نفسه بتثاقل بين قلوب العباد, وينتقي منهم ما شاء البارئ عز وجل, كان يجول بين الأحوال مطأطئاً هامته وقد تسربل ثوب التواضع, واكتسى بأبهى ألوان اللين والتلاطف, وبينما هو على حاله ذاك, إذا بصاحب الزاد ومنوة العباد, الملك الظليل, ذو العزة الفضيل, ألا وهو الغنى الذي أخذ يصول بين أحوال العباد صولات البطل, رامقا إياهم بنظرة التعزز والغرور, متعطرا بسمح المسك والبخور, يدني بخيوطه الذهبية على ما شاء الله المعطي الرزاق من عباده, وما إن تلاقت النظرات, حتى تقطعت الكلمات, وصٌرت على الأوجه القسمات, فقد تلاقى اللدودان والنزال قد بات بدًا الآن, فاستل كل قلمه, وجهز ورقه, ورتب فكره, فصاح الغنى صيحة مهولة : ويحك تنح عن الطريق أيها الذليل, أما عرفتني وأنا صاحب السؤدد والشرف, والنعيم والترف.
فرد الفقر (وقد اعتلت طيات وجهه ابتسامة ساخرة) : وأما عرفتني وأنا الفقر أعصم الناس عن الفساد, واكسي بالتواضع البلاد, فالحياة أجمل وأعذب من أن يشوبها من الكبر والغرور المقذورات .
فأجاب الغنى ( والغضب يشيع من صفحات وجهه) : ما هذا الذي تقول؟!! أذهبت العقول, أم ولى من العلماء الفلول, الناس يطلبونني ويمدون بدلائهم صوب بئري الذهبية ليستقوا منها ما شاء لهم الرازق الواهب. وأنَى لك أن تكون مطلبًا, وتكون للخلق مبتغًا.
فرد الفقر : أوما سمعت يا هذا قول الشاعر:
النفس تجزع أن تكون فقيرة *** والفقر خير من غنى يطغيها
وغنى النفوس هو الكفاف فإن أبت *** فجميع ما في الأرض لا يكفيها
كما أن افتقار الخلق إلى خالقهم مطلب حتمه الإسلام وأقره الفرقان, فخير العباد لله هم الفقراء إليه والمتواضعون لخلقه. وأوليس الكبر أحد أبنائك ؟؟! والخيلاء من بناتك ؟؟! وألم يقل البارئ في كتابه الكريم : ( ادخلوا أبواب جهنم خالدين فيها فبئس مثوى المتكبرين)
فطغى الصمت على الأجواء ولكن ما هي إلا وهلة حتى صاح الغنى عائداً إلى ميدان المعركة (والحيرة بادية على عينيه) : إن ... إ إ ن .. إن من ذكرت من ولدي ما هو إلا ابن عاق ولست معه على وفاق. ولكن ما بالك تنتقي من الحلو أمره, ومن الخير أشره, فأليس غنى العلوم والأدب من أحفادي؟؟! وغنى المعرفة والحكمة من بناتي؟؟! وألم تسمع قول الشاعر مادحاً إياهما :
لا يدرك الحكمة من عمره *** يكدح في مصلحة الأهل
ولا ينال العلم إلا فتى *** خال من الأفكار والشغل
لو أن لقمان الحكيم الذي *** سارت به الركبان بالفضل
بلي بفقر وعيل لما *** فرق بين التبن والبقل
أما أنت فقد أنزلت على الأنفس الهم, ورسمت على الأوجه الغم, أيها الضيف الثقيل!!, ألا رغبة لك بالرحيل؟!, أم أنك جاهل قد أضعت السبيل؟!.
وبعد استراحة قصيرة تلاقط فيها كل أنفاسه.... قال الفقر : إني لا أرى لجمع المال فائدة, ولا له على المرء عائدة, فما بالك تحبه حبا جماً, أوما سمعت القائل فيك ذماً :
يا من تمسك بالدنيا وزخرفها *** وجد في جمعها بالكدر والتعب
هلا عمرت لدار أنت تسكنها *** دار القرار وفيها معدن الطلب
فعن قليل تراها وهي دائرة *** وقد تمزق ما جمعت من نسب
فأما أنا فقير إلى ربي زاهد عن دنياك, أدعوك يا ربي أكرمني بلقياك. وأما ذا الذي قد اكتسيتُ به ولمتني فيه, فهو خير الكساء ونعم العطاء, ألا وهو التواضع, وبئس ما لبست أنت وتزينت به, ألا وهو الكبر والخيلاء وطرزته بخيوط الغرور والتبجح, ولكن ما كل هذه الحلي الزكية, والطلعة البهية التي لبستها إلا قسمات من القماش رقعت بها نفسك لتداوي النقص الذي قد اعتراك, وأقض مضجعك, فما أنت إلا ناقص عليل فأنا وأنت كما قال عنا الشاعر :
تواضع تكن كنجم لاح لناظر *** على صفحات الماء وهو رفيع
ولا تكن كالدخان يعلو بنفسه *** في طبقات الجو وهو وضيع
وحينها تسمرت الأعين والأعناق, وجفت الأرياق, ومضى كل في سبيله بعد أن تلقى الجميع أقسى صفعات الكلام التي ألقت في جوف كلٍ من بذور الشك فنسأل الله أن يرزقنا كفاف العيش لا فقرا شحيح ولا سرفا طفيح ودعونا لا نلتفت إلى الماضي وأن نحلم بغد جميل مشرق.
وختاما أشكر كل من خصص من وقته الثمين لقراءة كلماتي المتواضعة وإن لم يثمنها برد أو تعقيب.
وألتمس منكم العذر إن كنت قد زللت في شيء, فإني في بداية الطريق ويشرفني أن تكون باكورة أعمالي في هذا المنتدى العريق ولا أطيل عليكم وأستودعكم الله
ملاحظة : ما لون باللون الأحمر من أبيات الشعر فهي قد ننقلت عن شعراء عدة (كالإمام الشافعي وآخرين لا تحضرني ذكراهم) وذلك حفظا للحقوق أما البقية النص فهو وبتوفيق الله من تأليفي الشخصي .
والسلام خير الختام