مقدمةالحمد لله حمدا كثيرا لا أحصي ثناءًََا عليه،وأصلي وأسلم على نبيه المجتبى،ورسوله المصطفى الدّاعي إليه،وعلى اله وأصحابه أئمة الهدى،المعلّمين للقراءة والأدا،والتّابعين لهم بإحسان على الصراط السّوي والمنهاج المرتضى.
أما بعد:فإن من كمال إنعام الله تعالى على هذه الأمّة،وزيادة التشريف لها بين الأمم أن أنزل الله على نبّيها محمد صلى الله عليه وسلم كتابا معجزا لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد،محفوظ على مرّ الأزمان،"إنا نحن نزّلنا الذّكر وإنا له لحافظون"،محفوظ من التبديل والتغيير،لا يعتريه زيادة ولا نقصان.
وكان من تمام هذا الإنعام أن قيّض في هذه الأمة أئمة أعلاما بعضهم حفظ لنا معانيه،وبيانه،وتفسيره،وتأويله،وبعضهم حفظ لنا قراءته،وأداءه،وتجويده،وترتيله،وكان على رأس هذه الكوكبة نجم المدينة النبوية،وقارئ طيبة الطّيّبة،نافع بن أبي نعيم المدني،أسبل الله عليه شآبيب الرّحمة والغفران،فأدّاه أحسن أداء،وجوّده أكمل تجويد على وفق سنّة أهل المدينة النبوية من لدن صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم،ثم اشتهرت قراءته،وطارت كل مطار،وكان لها من المكانة بين القراءات الأخرى كمكانة مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم بين المدن،وأعظم بها مكانة.
وهكذا مٍنَنٌُ تَتْرى،وفضائل تكمل،فزاد المنُّ والفضل بأن اختار أهل مغربنا العربي قراءة الإمام نافع رحمه الله تعالى.
فكانت قراءة الإمام نافع من رواية صاحبه وروايته أبي سعيد عثمان بن سعيد المصري،وطريق تلميذه وقيدوم حملة طريقته أبي يعقوب الأزرق المدني ثم المصري هي المختارة في بلادنا،يقرأ بها الناس في صلواتهم،ومجامعهم،ومجالسهم،ومساجدهم،بل وعليها ينشأ الصبيان في الكتاتيب،فانتشرت أيما انتشار،واشتهرت أيما اشتهار.
فمن هو الإمام ورش ،ومن هو الإمام نافع؟؟؟
الإمام ورش:هو عثمان بن سعيد بن عبد الله بن عمرو بن سليمان بن إبراهيم بن غزوان بن داود بن سابق أبو سعيد المصريّ،الملقب بورش،شيخُ القرّاء المحققين،وإمام أهل الأداء المرتلين،انتهت إليه رئاسة الإقراء بالديار المصرية في زمانه،ولد سنة110 هجري بمصر،ورحل إلى نافع بن أبي نعيم،فعرض عليه عدّة ختمات في سنة 155 هجري ،واه اختيارٌٌُُ خالف فيه نافعاًَ روي عنه من طريقه بإسناد جيد،وكان أشقر،أزرق،أبيض اللون،قصيرا،ذا كدنة وهو إلى السِّمَنِ أقرب منه إلى النحافة،قيل:إنّ نافعًَا لقّبه بالورشان،لأنه كان على قصره يلبس ثيابا قصيرة،وكان إذا مشى بدت رجلاه مع اختلاف ألوانه،فكان نافع يقول:هات يا ورشان،واقرأ يا ورشان،وأين الورشان،ثم خفّف فقيل:ورش،وقيل:إنّ الورشَ لعله الأقِطُّ يصنع من اللبن،فلقّب به ورش لبياضه،وقد لزمه هذا اللقب حتى صار لا يُعرف إلا به،وكان يحبه ويقول ،سمّاني به أستاذي.
كان جيد القراءة،حَسَنَ الصّوت،إذا قرأ يهمز،ويمدّ،ويشدّد،ويبين الإعراب،ل يملُّه سامعه،وكان ماهرًَّا بالقرءان والعربية،وله كثير من التلاميذ أشهرهم:أبو يعقوب يوسف بن عمرو الأزرق،وعبد الصمد بن عبد الرحمن بن قاسم،وأحمد بن صالح،ويونس بن عبد الأعلى.
قال رحمه الله تعالى:كنت أقرأ على نافع كلّ يوم سُبْعاًَ،وختمت في سبعة أيام،فلم أزل كذلك حتى ختمتُ عليه أربع ختمات في شهر وخرجتُ،توفي رحمه الله سنة سبع وتسعين ومائة بمصر.
الإمام نافع:هو أحد الأئمة الأعلام،الثّقة الصّالح الإمام،أحد الّقّراء العشرة الذين اشتهر ذكرهم في جميع الأفاق،ووقع على فضلهم الاتفاق،نافع بن عبد الرحمن بن أبي نعيم مولى جَعْونة،ابن شعوب الليثي،حليف حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه،أصله من أصبهان،وهو من الطبقة الثالثة بعد الصحابة رضوان الله عليهم،يُكَنَّى بأبي رؤيم،وأبي نُعيم،وأبي عبد الله،وأبي عبد الرحمن،والأولى أشهر كناه،ولد سنة سبعين للهجرة،وأخذ القراءة عن جماعة من تابعي أهل المدينة،منهم:عبد الرحمن بم هرمز الأعرج،وأبلو جعفر يزيد بن القعقاع القارئ،وشيبة بن نصاح القاضي،وغيرهم...
رُوي أنه قرأ عليه مائتان وخمسون رجلا،منهم إسماعيل بن جعفر،وعيسى بن وردان،ومالك بن أنس،وعبد الملك بن قريب الأصمعي،واللّيث بن سعد،وعيسى بن مينا قالون،وعثمان بن سعيد ورش.
أَقرأَ رحمه الله دهرا طويلا نيّفاََ عن سبعين سنة،وانتهت إليه رئاسة الإقراء بالمدينة وصار الناس إليها،أجمع الناس عليه بعد شيخه أبي جعفر.
كان الإمام نافعا أسودا رحمه الله،وكان عالما،صالحا،خاشعا،مجابا في دعائه،إماما في علم القرآن والغربية،صلّى في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم ستين سنة،ورُوي أنه كان إذا تكلّم يُشمُ من فِيه رائحة المسك،فقيل له :يا أبا رؤيم:تتطيب كلّما قعدت تقرئ الناس؟قال:لا أمس طيبا،ولا أقرب طِيبًََا،ولكنّي رأيت فيما يرى النائم النبيَّ صلى الله عليه وسلم وهو يقرأ في فِيَّ،وفي رواية:يتفُل في فيَّ،فمن ذلك الوقت أشم من فيَّ هذه الرّائحة،وقد مدحه الإمام الشاطبي رحمه الله في لاميّته فقال:
فأمَّا الكريمُ السِّرِّ في الطِّيب نافعٌُُ فذاك الذي أختار المدينةَ منزلا
قرأ الموطأ على مالك بن أنس،فنافع شيخ مالك في القراءة،ومالك شيخه في الحديث،توفّي رحمه الله سنة تسع وستين ومائة للهجرة في خلافة الهادي على الأصح.