تقديم لا بد منه:
يعاني التلميذ الذي يتابع دراسته بسلك البكالوريا-وخاصة السنة الثانية- أيما معاناة من اختبار بعض المواد الدراسية في آخر السنة، والتي يتوقف على التفوق فيها نجاحه وإحرازه على شهادة "تأهيلية" -تخول له الالتحاق بالجامعة أو المعاهد العليا أو مراكز التكوين-، ومن تلك المواد نذكر مادة الفلسفة التي تشكل للتلاميذ عائقا حقيقيا في طريق النجاح، لكن هذا العائق يمكن تفهمه – كليا أو جزئيا- إذا عرفنا أسبابه الذاتية والموضوعية. وإذا وضحنا طريقة التعامل مع مواضيع الاختبار الوطني الموحد سواء تعلق الأمر بالنص أو القولة أو السؤال.
الأسباب الذاتية:
وهي تلك الأسباب المتعلقة بالتلميذ، وتظهر من خلال الملاحظات التالية:
- عدم الإهتمام بالمادة: نظرا لانتشار مجموعة من المشوشات، ترتبط أحيانا بالتمثل الاجتماعي للفلسفة، وأحيانا أخرى بالأستاذ الذي قد يتحول إلى شيطان إنسي يمنع التلاميذ حتى من كتابة البسملة في الدفتر أو في ورقة التحرير، أو ينشر الإلحاد والتشكيك، وخاصة إذا اجتمعت هذه الأمور بسوء الخلق، مما يترك استياء حقيقيا من مادة الفلسفة.
- ضعف التكوين: هناك إجماع اليوم على تدني مستوى التعليم في المغرب، فهل يعقل مثلا أن يعجز تلميذ البكالوريا عن كتابة ولو جملة واحدة مفيدة؟ أما عن الأخطاء الإملائية فحدث ولا حرج ولا من يسمع. وإذا كانت اللغة نصف الفلسفة فكيف تدرس الفلسفة –وهي ممارسة واعية ومركزة- لمن لا عدة له ولا ميول ولا حاجة؟ وإن كان السبب المباشر يعزى لفساد السياسة التعليمية المتبعة.
- التواكل واللامبالاة: لم تعد للتعليم حرمته ولا للمعلم شرفه، ولا للشهادة العلمية مكانتها ولا للمتخرج كرامته. كل ما في الأمر صيرورة لا أدرية تعبث بالأرواح والأعمار. لا يبالي التلاميذ بمادة الفلسفة إلا من أجل النقطة فقط، ويعتمد ون في اختباراتهم على كل شيء إلا على أنفسهم.
الأسباب الموضوعية:
- انتشار آفة الغش: فلم يعد الغش اليوم ظاهرة تحلل ويبحث لها عن علاج، بل أصبح اللاغش هو الظاهرة الطارئة عن الميدان، مما أوصلنا تحقيقا إلى الحديث عن التلميذ الظاهرة، أو ظاهرة التلميذ، ومن ورائها ظاهرة التعليم، بل وظاهرة الدولة جملة... فمن سيزيل من أذهان التلاميذ أن الدولة تمارس الغش والتزوير والكذب على المواطنين؟
من غش في امتحان كمن غش في غيره* * * * * تعددت الأشكال والغش واحد
- الإثقال بالمحتويات: أكثر من ستين اسما فلسفيا أعجميا! فكيف يستوعب التلميذ هذا الكم من المواقف بمفاهيمها ومضامينها وحجاجها؟ وهو مثقل أصلا بكم من المواد التي تعود في تعليمنا أن يستظهرها عن ظهر قلب، دون أن تستقر في القلب. تعليم كمي وشكلي
- اختلال التقويم: التقويم في الفلسفة تقويم نسبي لا يخضع غالبا إلا لمزاج المصحح وتكوينه وتفكيره وإيديولوجيته، فتجد المصحح المتأثر بتمركسه وإلحاده لا يقبل رائحة الإسلام من التلميذ، بل ينسب للدين كل مظاهر التخلف والفقر والشعوذة...، وتجد المصحح المتمسلم الذي لا يقبل من تلاميذه سؤالا محرجا، فيتلفظ بعبارات التكفير والتبديع والتأفف دون نقاش. وهذا مشكل تربوي ينبغي علاجه. إذ رغم الشعارات الداعية لنشر قيم الإحترام والحوار والتسامح فإن المشكل مازال مطروحا.
- تعطيل الإصلاح: ضاعت هيبة العلم وشرف العالم ورسالة المعلم في بيئة سياسية وتربوية وإدارية وإعلامية متعفنة، تعطل الحق والعدل والصلاح وتراهن على السراب والمصادفة والارتجال. سياسة تعليمية مستوردة ومفروضة على الأمة بالإكراه، تفوت على أجيالنا أصالة التربية ومهارة التقنية.
ما العمل؟
لا ينبغي أن يقف التلميذ مع هذه العراقيل والصعاب فإن الموفق لا يستسلم للواقع البئيس ولا ينظر إليه نظرة سوداوية يائسة، "لا تيئسوا من روح الله"، بل يجب أن يتفاءل ويستبشر و يبذل أقصى جهده ليتفوق وينتصر، وسيحصل على أعلى الرتب في الاختبار. وفيما يخص اختبار الفلسفة يستأنس باتباع الخطوات المنهجية التالية دون الانزلاق في أية طريق تبعده عن المقصود ، الذي هو: المعالجة الفلسفية للموضوع.
وأضع بين يدي التلميذ (ة) هذه الخطوات النظرية المختصرة التي أراها مساعدة له على إدراك مطلوبه ونيل مبتغاه، بعيدا عن الكتابة الانطباعية والعشوائية المليئة بالخواطر والمحشوة بالظنون، سواء فيما يتعلق بمعالجة النص الفلسفي أو القولة الفلسفية أو السؤال الفلسفي اوماتسمى باالمقالة الجدلية
أولا: النص الفلسفي:
النص الفلسفي هو مجموعة من الأفكار المرتبة والأحكام المدللة التي تؤدي موقفا فلسفيا نسقيا من قضية /إشكالية محددة. ومعالجته تتطلب احترام المراحل التالية:
المقدمة: تتكون من تمهيد مناسب يحدد الموضوع (الشخصية، الغير، الشغل...) الذي يتحدث عنه النص، ويستشكل الدعوى التي يحملها. لأن المصحح هنا ينظر فيما إذا فهم التلميذ النص أم لم يفهمه.
التحليل: يتوقف على تبليغ مراد صاحب النص بتفسير موقفه وشرحه شرحا مفصلا ومدللا وسليما (لغويا ومنطقيا)، باستعمال مفاهيمه وحججه، فهي التي تحمل معانيه وتبين مقاصده. ويستحسن توظيف الإستشهاد من داخل النص أو من خارجه توظيفا يحفظ للإنشاء اتساقه ومنطقه...
المناقشة: تجاوز النص إلى المواقف الفلسفية النقدية التي تخالفه، والتي تضفي على الإنشاء التكامل والعمق. أي أننا ننتقل في النص إلى نقيضه...
الخاتمة: تكون خلاصة تركيبية تجمع بين المواقف، أو تنحاز إلى أحدها باعتبار قوة حججه، أو تكون متسائلة ومفتوحة تزيد الإشكال عمقا.
ثانيا: القولة الفلسفية:
كل قولة فلسفية هي "جزء من نص" شريطة أن تحمل دعوى صاحبها، أو قل هي "نص قصير"، وتعبر عن موقف فلسفي واحد اتجاه إشكالية فلسفية محددة، إلا أن كل موقف فلسفي يحمل داخله نقيضه، أي الموقف الذي يختلف معه بصدد نفس الإشكالية.
لتحليل القولة الفلسفية ينبغي مراعاة الخطوات التالية أثناء كتابة الإنشاء الفلسفي:
1- المقدمة: تمهيد موجز ومناسب للموضوع الذي تعالجه القولة (اللغة، العقل، الحق...) مع استشكال المضمون المحوري الذي تجيب عنه وتحويله إلى قضية قابلة للإستفهام والنقد، وهو استشكال غالبا ما تسبق معالجته خلال الدرس، ويطلب هنا مراعاة الربط المنطقي بين التمهيد و طرح الإشكال.
2- التحليل: في هذه المرحلة يطلب شرح مضمون القولة شرحا مفصلا، فكرة فكرة، بتوظيف مختلف المهارات والقدرات لتبليغه، مرورا باستعمال المفاهيم الأساس/المفتاح في الموضوع، مع العلم أن هناك فيلسوف واحد على الأقل يدافع عن هذا المضمون، لذلك يجب إحضار مختلف الحجج التي سيقت بصدد إثبات تلك الدعوى وترتيبها ترتيبا منطقيا يقوي حجيتها ويبلغ مقصد صاحبها بأمانة. ولا بأس من الإستشهاد من داخل القولة أو من الموقف أي تحمله، شريطة أن يكون أمينا ومناسبا ووجيزا...
3- المناقشة: هذه المرحلة تقتضي إبراز محدودية الدعوى السابقة، و استحضار دعاوى أخرى تعالج نفس الإشكالية، لكنها تختلف معها في نوع المقاربة والمحاججة والإستنتاج، وتعترض عليها وتنتقدها، فمثلا إذا كان مضمون القولة يلخص إثبات حرية الشخص في تكوين شخصيته، فإن هناك مواقف أخرى تنفي وتدحض هذا الإثبات، وتأتي بأدلة برهانية وحجاجية مختلفة تعتبرها كافية للتدليل على عدم قدرة الشخص على تكوين شخصيته. (العلوم الإنسانية)....
4- الخاتمة: تختم المراحل السابقة باستنتاج تركيبي، يجمع بين المواقف، أو ينحاز إلى أحدها، أو يطرح أفقا أوسع لحل الإشكالية المطروحة...
ثالثا: السؤال الفلسفي:
كل سؤال فلسفي يحمل إشكالية محورية يمكن توزيعها إلى عدة تساؤلات فرعية، مثلما يحمل إمكانية جوابين مختلفين على الأقل. يستعمل أحدهما في التحليل، ويرجى الآخر للمناقشة. مثلا السؤال: هل اللغة والفكر متصلان؟ له جوابان على الأقل هما:
1- الموقف الإتصالي او ميسمى بالراي الاول، ويملأ مساحة التحليل
2- الموقف الإنفصالي * الراي المخالف*، ويستثمر في مناقشة الجواب الأول.
1- المقدمة: تمهيد يرتبط بالموضوع الذي يؤطر السؤال (النظرية، الحقيقة، السعادة...)، ثم إعادة صياغة هذا الأخير بشكل ينفتح على عدة مقاربات، ستكون محط اهتمامنا خلال العرض (التحليل و للمناقشة).
2- التحليل: البدء بأحد المواقف وتحليلها تحليلا منظما ينصب على المضمون من جهة وعلى البنية الحجاجية من جهة ثانية. مثلا فيما يخص السؤال السابق يرتكز التحليل على شرح الموقف الإتصالي (دي سوسير + ميرلوبونتي...)، مع عدم إغفال المفاهيم الفلسفية المستعملة في كل موقف...
3- المناقشة: بعد مرحلة إفهام الموقف السابق ننتقل إلى مرحلة الإختلاف والحوار بين المواقف الفلسفية، حيث تحضر الإجابات الأخرى المختلفة والتي تكشف حدود الموقف السابق وقصوره في الإحاطة بكل جوانب الإشكال المطروح، وتساهم في استكمال النظر فيه.
[b][center]