بسم الله الرحمان الرحيم السلام عليكم ورحمة الله وباركته أما بعد نقدم لكم فتاوى للشيخ فركوس حفظه الله وندعو الله أن نستفيد منها . في حكم الجماع في قضاء رمضان عمدًا
السـؤال:
هل على من أتى أهله في صيام القضاء الكفارةُ؟ وهل تجب عليهما جميعا أم على الرجل دون المرأة؟ وهل إذا لحقهما الإثم يُعدُّ من الكبائر؟ فالرجاء إرفاق الجواب بالدليل.
الجـواب:
الحمدُ لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على من أرسله اللهُ رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين، أمّا بعد:
فمن أفسدَ صومَ قضاءِ رمضانَ أو صومِ الكفارةِ أو أيِّ صومٍ واجبٍ –ما عدا صومَ رمضانَ- بجماعٍ أو غيرهِ من المفسداتِ عمدًا من غيرِ عذرٍ شرعيٍ فإنّه يترتبُ علَى إفسادِ هذه العبادةِ الواجبةِ: لحوقُ الإثمِ ووجوبُ القضاءِ.
أمّا دليلُ وجوبِ القضاءِ فظاهرٌ من حديثِ أمِّ هانئٍ رضي الله عنها: أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم شَرِبَ شرابًا، فناولها لتشربَ، فقالت: إنّي صائمةٌ، ولكنْ كَرِهْتُ أن أردَّ سُؤْرَكَ فقال: «إِنْ كانَ قَضَاءً مِنْ رَمَضَانَ فَاقْضِي يَوْماً مَكَانَهُ، وَإِنْ كَانَ تَطَوُّعاً فَإنْ شِئْتِ فَاقْضِي، وَإِنْ شِئْتِ فَلا تَقْضِي»(١).
وأمّا دليلُ لحوقِ الإثمِ على إفسادِ الصَّومِ الواجبِ عَمْدًا فقوله تعالى: ﴿وَلاَ تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ﴾ [محمد: 33]، إذ لا فرقَ بينَ قضاءِ رمضانَ وأدائِهِ في لحوقِ الإثمِ من حيثُ عَدَمُ جوازِ إبطالِهِ بمفسداتِ الصَّومِ، فلا يُوجدُ ما يخصِّصُّ عمومَ الآيةِ، ولا يُقَال: إِنّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم أقرّ أمَّ هانئ وَلم ينكرْ إفطارهَا ولو كان من القضاءِ، لأنّه صلى الله عليه وآله وسلم في مقامِ بيانٍ، وتَأْخِيرُ البَيَانِ عَنْ وَقْتِ الحَاجَةِ لاَ يَجُوزُ، فاكتفى ببيانِ وجوبِ القضاءِ طلبًا جازمًا مع جوازِ إفطارِ القاضي له إقرارًا، وبهذا قال الشوكاني(٢)، وهذا غيرُ صحيحٍ لأنّ أمرَه صلى الله عليه وآله وسلم بالقضاءِ لأمّ هانئ لو أفطرت منه لا يلزمُ جواز فعلِهَا، لأنّ من شروطِ الإقرارِ -الذي هو حجة- أن لا يدلَّ عليه دليلُ المنع من جهةٍ، وأن لا يكون المسكوتُ عنه قد اعترفَ بذنبهِ وخطئه، وقد أقرَّت أمُّ هانئ رضي الله عنها بذلك في رواية الترمذي بقولها: «إِنِّي أَذْنَبْتُ فاسْتَغْفِر لِي. قَالَ: وَمَا ذَاكَ؟ قَالَتْ: كُنْتُ صَائِمَةً فأَفْطَرْتُ، فَقَالَ: أَمِنْ قَضَاءٍ كُنْتِ تَقْضِينَهُ؟ قَالَتْ: لاَ. قَالَ: فَلاَ يَضُرُّكِ»(٣)، ويؤكِّده مفهومُ قولِه صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم: «فَلاَ يَضُرُّكِ»، وفي رواية أبي داود بزيادة: «فَلاَ يَضُرُّكِ إنْ كَانَ تَطَوُّعًا»(٤)، فإنّه يدلّ بمفهومه على أنّه إن كان صومها من قضاءٍ واجبٍ فإنّ إفسادَه يضرُّها.
هذا، ولا يرتقي إثمُ إفسادِ الصَّومِ إلى الكبائر لانتفاءِ الوعيدِ الخاصِّ عَلَى ارْتِكَابهِ المعيَّن له صراحة، اللهمّ إلاّ إذا استدلّ بحديث أبي أُمامة الباهلي رضي الله عنه أنّه صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم قال -في رُؤْيِةٍ منامية-:«ثُمَّ انْطُلِقَ بِى فَإِذَا أَنَا بِقَوْمٍ مُعَلَّقِينَ بِعَرَاقِيـبِهِمْ، مُشَقَّقَةٌ أَشْدَاقُهُمْ تَسِيلُ أَشْدَاقُهُمْ دَمًا، قَالَ قُلْتُ: مَنْ هَؤُلاَءِ؟ قَالَ: هَؤُلاَءِ الَّذِينَ يُفْطِرُونَ قَبْلَ تَحِلَّةِ صَوْمِهِمْ»(٥)، والوعيدُ في الحديث يَلْحَقُ مَن يُفطر قبل غروبِ الشمس.
ولهما أن يُكَفِّرا عنه بالتوبة والعملِ الصَّالحِ، ويلزمهما القضاءُ دون وجوبِ الإمساكِ والكفَّارةِ المشرَّعة للجماع لثبوتِ خصوصِيتهما في رمضان في قصّة الأعرابي المجامعِ في رمضانَ عمدًا من حديث أبي هريرة رضي الله عنه(٦)، ولا يخفى أنّ واجبَ صومِ رمضانَ مضيَّقٌ من حيثُ وقتُه، بينما صومُ القضاءِ فمطلقٌ، فافترقَ حكمُ القضاءِ عن الأداءِ، لذلكَ احتاجت الكفَّارةُ -باعتبارها حكمًا شرعيًا- في تقريرِ مشروعيتها في القضاءِ إلى دليلٍ شرعيٍّ يُسْنِدُهَا وهو منتفٍ عنهَا.
والعلمُ عند الله تعالى، وآخر دعوانا أنِ الحمد لله ربِّ العالمين، وصلى الله على نبيّنا محمّد وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين، وسلّم تسليمًا.
الجزائر في: 10 شوال 1428ﻫ
الموافق ﻟ: 22 أكتوبر 2007م
١- أخرجه أحمد في «مسنده»: (26371)، والدارمي في «سننه»: (1686)، والبيهقي في «السنن الكبرى»: (8446)، والطيالسي في «مسنده»: (1617)، والدارقطني في «سننه»: (2193)، من أم هانئ بنت أبي طالب رضي الله عنها. والحديث صححه الألباني في «السلسلة الصحيحة»:(2802).
٢- السيل الجرار للشوكاني: 2/151.
٣- أخرجه الترمذي في «الصوم»، باب ما جاء في إفطار الصائم المتطوع:(731)، وابن أبي شيبة في «المصنف»: (9068)، من أم هانئ بنت أبي طالب رضي الله عنها. قال الألباني في «تخريج المشكاة»: (1/642): «إسناده جيّد».
٤- أخرجه أبو داود في «الصوم»، باب في الرخصة في ذلك: (2456)، والدارمي في «سننه»: (1687)، والبيهقي في «السنن الكبرى»: (8362)، من أم هانئ بنت أبي طالب رضي الله عنها. وصححه الألباني في «صحيح أبي داود»: (2456).
٥- أخرجه ابن خزيمة (1865)، وابن جبان (7615)، والحاكم في مستدركه (2788)، والبيهقي (7537)، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (3951)، وصحيح الترغيب: 1/588 رقم: (1005)، ومقبل الوادعي في "الصحيح المسند" (483).
٦- أخرجه البخاري في «كفارات الأيمان»، باب متى تجب الكفارة على الغني والفقير: (6331)، ومسلم في «الصوم»، باب تغليظ تحريم الجماع في نهار رمضان: (2595)، والترمذي في «الصوم»، باب ما جاء في كفارة الفطر في رمضان: (724)، وابن ماجه في «الصيام»، باب ما جاء في كفارة من أفطر يوما من رمضان: (1671)، والدارمي في «سننه»: (1668)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
وأخر دعونا أن الحمد لله ربي العالمين . وأسأ ل الله أن يوفقنا لصوم رمضان إيمانا وإحتسابا لوجهه الكريم .والسلام عليكم ورحمة الله وباركته