أخي المسلم الحبيب
لا تقلد دينك الرجال ولكن در مع الحق والدليل حيث دار
هل تعلم أخي الكريم أن التقليد مأخوذ من الخلادة التي يقاد بها الحيوان وأنه لا فرق بين بهيمة تُقاد وإنسان يقلد كما قال ابن مسعود رضي الله عنه.
وهل تعلم أن سبب ضلال كثير من الناس قديما وحديثا تقليد الآباء والأجداد؟ ولهذا ذم الله المشركين الأوائل عندما قالوا: "إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِم مُّقْتَدُونَ"1.
وهل تعلم أن هناك فرقا أي فرق بين التقليد والاتباع؟ فالمتبع يدور مع الدليل ويتبع ما ترجح لديه أنه اقرب إلى الحق والسنة، والمقلد يقلد من يقلد من غير معرفة دليله، وقال ابن خويز منداد: (التقليد معناه في الشرع الرجوع إلى قول لا حجة لقائله، وهذا ممنوع في الشريعة، والاتباع ما ثبت عليه حجة).
وهل تعلم أن العامي ليس له مذهب، فلا يحق له أن يقول أنا حنفي، أومالكي، أوشافعي، أوحنبلي؟ وإنما عليه أن يسأل من يجده أمامه من أهل العلم.
وهل تعلم أخي من الإمعة، الأذن، "اللضنية"؟ الذي يقول إن أحسن الناس أحسنت وان أساءوا أسأت ورحم الله ابن مسعود ورضي الله عنه حين قال: "لا يكن أحدكم إمعة يقول: إن أحسن الناس أحسنت وان أساءوا أسأت، ولكن وطئوا أنفسكم إن أحسن الناس تحسنوا وان أساءوا أن تتجنبوا إساءتهم فلا أسوة في الشر". وقال كذلك: "كنا نعد الإمعة في الجاهلية الذي يدعى إلى الطعام فيذهب معه بغيره، وهو فيكم اليوم المحقب دينه الرجال".
وهل تعلم أن الطاعة لا تكون إلا في المعروف؟ فكل من وجبت عليك طاعته من ولاة الأمر والوالدين والزوج والقادة ونحوهم فلا طاعة لهم إلا في المعروف لقوله صلى الله عليه وسلم: "إنما الطاعة في المعروف".
هل تعلم أخي الحبيب أن الله مدح المتبعين للحق فقال: "الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ"2.
وهل تعلم انه يجب على العامي أن يجتهد في أقوال أهل العلم ويعمل بما ترجح عليه منها كما قرر ذلك الإمام الشاطبي في الموافقات.
وهل تعلم أن الأئمة الأربعة قد حذروا أتباعهم عن تقليدهم ونهوهم عن ذلك؟
قال أبو حنيفة رحمه الله: "إذا صح الحديث فهو مذهبي، وإذا صح الحديث فاضربوا بقولي عُرْض الحائط".
وقال مالك رحمه الله: "كل يؤخذ من قوله ويترك إلا صاحب هذا القبر وكان يشير إلى قبره صلى الله عليه وسلم.
وقال الشافعي رحمه الله: "إذا وجدتم الحديث في قارعة الطريق فهو مذهبي".
وقال أحمد رحمه الله: "لا تقلدني، ولا تقلد مالكاً، ولا الشافعي، ولا الأوزاعي، ولا الثوري، ولكن خذ من حيث أخذوا".
هل تعلم أن علياً رضي الله عنه قال: "إياكم والاستنان بالرجال، وان كنتم لا بد فاعلين فبالأموات لا بالأحياء"، يعني بالصحابة.
وهل تعلم أن ابن عباس قال: "ويل للأتباع من عثرات العالم. قيل: كيف ذلك؟ قال: يقول العالم شيئا برأيه، ثم يجد من هو أعلم منه برسول الله صلى الله عليه وسلم، فيترك قوله ذلك، ثم يمضي الأتباع".
وهل تعلم أن ابن خُوَيْز مِنْداد المالكي قال ذاماً التقليد: "كل من اتبعت قوله من غير أن يجب عليك قبوله لدليل يوجب ذلك فأنت مقلده، والتقليد في دين الله غير صحيح، وكل من أوجب عليك الدليل إتباع قوله فأنت متبعه، والإتباع في دين مسوغ والتقليد ممنوع".
وقال ابن عبد البر في ذم التقليد ومبشعاً بالمقلدين:
يا سائلي عن موضع التقليد خـــذ عني الجواب بفهم لب حاضــر
وأصغ إلى قولي ودن بنصيــحتي واحفــظ عليَّ بوادري ونوادري
تبا لقـــــاض أو لمفت لا يرى عللا ومعنىً للمقال السائــــر
فإذا اقتديت فبالكتــــاب وسنة ثم المبعوث بالدين الحنيف الطاهـر
الصحـــابة عنــد عدمك سنـة فأولاك أهل هدى وأهل بصائـر
وكذلك إجماع الذين يلونهـــــم من تابعيهم كابراً عن كابـــر
إجماع أمتنا وقول نبينـــــــا مثل النصوص لذي الكتاب الزاهر
وكذا المدينة حجة3 إن اجمعـــوا متتابعين أوائلاً بأواخــــــر
وإذا الخلاف أتى فدونك فاجتهـــد ومع الدليل فمل بفهم وافــــر
وعلى الأصول فقس فروعك لا تقس فرعاً بفرع كالجهول الحائــر
والشـر ما فيه - فديتك - أســوة فانظر ولا تحفل بزلة ماهــر4
هل تعلم أن القول لا يصح بفضل قائله، وإنما يصح بدلالة الدليل عليه.
وهل سمعت ما قال مالك الإمام: ليس كل ما قال رجل قولاً، وان كان له فضلٌ يتبع عليه، لقول الله عز وجل:" الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ".5
وهل سمعت ما قال الشافعي كذلك ناصحاً لإخوانه المسلمين ومحذراً لهم من التقليد: "مثل الذي يطلب العلم بلا حجة، كمثل حاطب ليل، يحمل حُزْمة حطب وفيه أفعى تلدغه وهو لا يدري" ذكره عنه البيهقي.
وهل تعلم ما قاله المزني في أول مختصره؟ قال: "اختصرت هذا من علم الشافعي، ومن معنى قوله، لأُقربه على من أراده، مع إعلامه نهيه عن تقليده وتقليد غيره، لينظر فيه لدينه ويحتاط فيه لنفسه".
وهل تعلم ماذا قال أحمد لتلميذه أبي داود، وقد قال ابوداود: "الأوزاعي أتبع من مالك؟" قال له أحمد:"لا تقلد دينك أحداً من هؤلاء ما جاء عن النبي وأصحابه فخذ به، ثم التابعي وبعدُ الرجل فيه مخير".
وهل سمعت ما قال أحمد: "من قلة فقه الرجل أن يقلد دينه الرجال".
وهل سمعت أن ابن عباس رضي الله عنهما قال لمن كان يحتج عليه بفعل أبي بكر وعمر وقولهما في النهي عن التمتع بالعمرة في أيام الحج: "أخشى أن تسقط عليكم حجارة من السماء! أقول لكم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وتقولون قال أبو بكر وقال عمر؟!".
وهل علمت ما قاله ابن عمر لمن كان يحتج عليه في هذه المسألة يقول عمر رضي الله عنه: "أقول لك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وتقول قال عمر؟!".
وهل سمعت بما قال القاضي أبو يوسف تلميذ أبي حنيفة وقاضي قضاة الدولة العباسية لمدة أربعين سنة؟: "لا يحل لأحد أن يقول مقالتنا حتى يعلم من أين قلنا".
وأن أبا يوسف رحمه الله عندما جاء المدينة وناظر مالك في المكاييل وصفة الآذان وأخذ الزكاة من الخضر والبقوليات رجع إلى قول مالك في الحال وقال: "لقد رجعت يا أبا عبد الله إلى قولك ولو سمع صاحبي ـ يعني أبا حنيفة ـ ما سمعت لرجع كما رجعت".
وهل تعلم أن مالكاً رحمه الله صرح: "أن من ترك قول عمر بن الخطاب لقول إبراهيم النخعي ـ وهو من كبار التابعين ـ أنه يستتاب". فكيف بمن ترك قول الله ورسوله لمن هو دون إبراهيم وأمثاله؟!
هل تعلم أن التقليد كله مذموم باختلاف أنواعه وأشخاصه؟ سواء كان:
تقليداً للكفار والمشركين وللتشبه بهم.
أوتقليداً للحكام.
أوتقليداً للآباء و الأجداد.
أوتقليداً للمجتمع والعادات والتقاليد.
أوتقليداً لأئمة المذاهب.
أوتقليداً للقادة السياسيين.
أوتقليداً لمشايخ الطرق الصوفية.
هل تعلم أن التقليد الأعمى لهؤلاء جميعا مسلك الجهلة من الطرقية والغوغاء؟
هل قارنت بين مذهب الرسل والأنبياء وأتباعهم الراشدين وبين مسلك من سواهم من الطغاة والجبابرة والقادة العلمانيين ومشايخ الطرق.
كان صلى الله عليه وسلم يقول: "أشيروا علي أيها الناس".
وقال فرعون الطاغية: "مَا أُرِيكُمْ إِلا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلا سَبِيلَ الرَّشَادِ"6. ولهذا قال الله تعالى فيه وفي ملئه: "فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ"7.
ولسان حال ومقال مشايخ الطرق الصوفية مع مريدهم: "لا تعترض فتُطرد"، "وينبغي للمريد أن يكون مع شيخه كالميت بين يدي مغسله".
وهل تعلم أن الطاعة العمياء، في غير المعروف سبب للعداوة يوم القيامة بين السادة والغوغاء: "وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلا*رَبَّنَا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذَابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْنًا كَبِيرًا"8.
قارن أخي الكريم بين ما قاله النفر الكرام من الصحابة لأمير سريتهم عبد الله بن حذافة السهمي ـ وكانت فيه دعامة ـ عندما أوقد ناراً وطلب منهم أن يدخلوها، أبوا وقالوا: ما أطعنا الرسول صلى الله عليه وسلم إلا للنجاة من النار فكيف ندخلها عن طواعية؟ فضحك وتركهم. وعندما أخبروا رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك قال لهم: "لو دخلتموها لما خرجتم منها إنما الطاعة في المعروف".
وبين قول بعض الطرفية والأتباع لمشايخهم ورؤسائهم: "لو دخل النار لدخلت، ولو كفر لكفرت، ولو أمرني أن أطلق زوجي لفعلت" منهم من يقول ذلك بلسان المقال وأكثرهم بلسان الحال حيث يطيعون في المعاصي والمخالفات ويقرون في الكفريات.
وهل تذكر ما قاله رسولك صلى الله عليه وسلم لعدي بن حاتم وكان نصرانيا وجاءه وهو لابس الصليب فتلى عليه قوله تعالى: "اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ"9، فقال عدي: "ما عبدناهم!" فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ألم يحلوا لكم الحرام ويحرموا عليكم الحلال؟! تلك عبادتكم إياهم".
فطاعة الطغاة من الحكام، والمشايخ الطرقية، والرؤوس الضلال في كل ما يقولون وهو مخالف لما هو معلوم من دين الله ضرورة ضلال وكفر وعبادة لهم.
إذا كان بعض كبار الصحابة خفيت عليهم بعض السنن، فكيف بمن سواهم؟
قال ابن رجب الحنبلي رحمه الله: "ومن العجب أن كثيراً منهم إذا ورد على مذهبه آثر عن بعض أكابر الصحابة يقول مبادراً بلا حياءٍ ولا حشمة: مذهب الشافعي الجديد أن قول الصحابي ليس بحجة، ويرد قول أبي بكر وعمر ولا يرد قول أبي إسحاق والغزالي".
وهل تعلم أن التقليد لا يحل إلا لعاميٍّ يقلد عالماً أهلا للفتيا ولا يجوز له أن يقلد جاهلاً ولا مبتدعا وليعلم الجميع أن هذا العلم دين فلينظر أحدنا ممن يتلقى دينه.
ولنعلم ضرر التقليد وخطره على الدين دعونا نستمع إلى ما قيل وقاله بعض متعصبة المذاهب من الفقهاء دعك عمن سواهم في المبالغة في مدح أئمتهم والحط من قدر غيرهم من أئمة المذاهب المقتدى بهم.
يقول الحصفكي وهو من اشهر المؤلفين في الفقه الحنفي في "الأشباه": "إذا سُئلنا عن مذهبنا، ومذهب مخالفنا، قلنا وجوبا: مذهبنا صواب يحتمل الخطأ، ومذهب مخالفنا خطأ يحتمل الصواب"10.
وقال الحصفكي في جملة أبيات في مدح أبي حنيفة رحمه الله:
فلعنة الله ربنا أعداد رمل على من رد قول أبي حنيفة11
وقال الحصفكي كذلك منزلاً أبا حنيفة منزلة لم يبلغها احد من الصحابة: "والحاصل أن أبا حنيفة النعمان من أعظم معجزات المصطفى ـ صلى الله عليه وسلم ـ بعد القرآن، وحسبك من مناقبه انتشار مذهبه، ما قال قولاً إلا أخذ به إمام من أئمة الأعلام، قد جعل الله الحكم لأصحابه وأتباعه من زمنه إلى هذه الأيام إلى أن يحكم بمذهبه عيسى عليه السلام"12 .
وقال أبو الحسن الكرخي الحنفي: "وكل آية تخالف ما عليه أصحابنا فهي مؤولة، أو منسوخة، وحديث كذلك، فهو مؤول أو منسوخ"13.
بلغت الجرأة ببعض متعصبي المذهب الحنفي أن وضع حديثا في مدح أبي حنيفة والتحذير من الشافعي رحمهما الله وهو: "أبو حنيفة سراج الأمة... ويكون في أمتي رجل يقال له محمد بن إدريس هو أضَرُّ على أمتي من إبليس"!!!.
ومما جاء في التعصب لمالك وأتباعه ومذهبه ما شاع عند العامة: "لو لم يكن مالكاً لكان الدين هالكاً"، ولله در الإمام منذر بن سعيد حيث صور تعصب المالكية وما لاقاه من ذلك حيث قال:
عذيري من قوم يقولــــون كلما طلبت دليلاً هكذا قـــال مالك
فان عدت قالوا: هكذا قــال أشهب وقد كان لا تخفى عليه المسالك
فان زدت قالوا: قال سُحنُــن مثله ومن لم يقل ما قاله فهـو آفك
فان قلت: قال الله ضجوا وأكثـروا وقالوا جميعا: أنت قرن مماحك
وان قلت: قد قال الرسول، فقولهـم أتت مالكاً في ترك ذاك المسالك14
وقال إمام الحرمين الجويني الشافعي: "نحن ندعي إنه يجب على كافة العاقلين، وعامة المسلمين شرقاً وغرباً، بعداً وقرباً، انتحال مذهب الشافعي، ويجب على العوام الطغام والجهال الأنذال أيضا انتحال مذهبه، بحيث لا يبغون عنه حولاً، ولا يريدون منه بدلاً"15.
وقال أبو إسماعيل الأنصاري الحنبلي:
أنا حنبليٌّ16 ما حييت وان أمت فوصيتي للناس أن يتحنبلــوا
وقال أحد الحنابلة، ولعله الأنصاري:
لئن قلد الناس الأئمـــة إنني في مذهب الحبر ابن حنبل راغب
أقلد فتواه وأعشـــق قوله وللناس فيما يعشقــون مذاهب17
وأخيراً أقول: الحمد لله الذي عافانا مما ابتلى به هؤلاء المقلدة وفضلنا على كثير ممن خلق تفضيلاً، وأُوصي نفسي وإياكم بالحرص على إتباع الدليلـ والدوران مع الحق والدليل حيث دارا، والاعتصام بالكتاب والسنة وما أجمعت عليه الأمة، وصلى الله وسلم على البشير النذير الهادي إلى كل خير وعلى آله وصحبه وورثة الأنبياء والتابعين لهم إلى يوم البعث والنشور، وعنا معهم بفضله .