الإستعمار الثقافي والإستدمار

كاتب المقال : أ. عبدالله حمد الغامدي



"التقليد الأعمى"

وخطره على العادات والقيم .

منذ زمن بعيد وعلى مر العصور كان التقليد وصفاً متعارفاً عليه وكلمة متداولة بين الكثيرين (وأقصد بالتقليد هنا ما معناه المحاكاة وليس العرف أو التزييف أو السير مع التيار)، وإن كان التقليد في السابق أكثر رواجاً في الإشارة إلى معناه كمصطلح ديني وليس كما نقصده في هذا الموقف.

وما إن ظهر التقليد حتى ذهب كثيرون إلى تقسيمه إلى نوعين "تقليد إيجابي" وآخر "سلبي"، وهنا يجب أن نوضح كلا منهما على حده، الأول يشير إلى اتباع الغير مع العلم والإدراك بصلاحه ونفعه وفائدته عليه في الدنيا والآخرة. أمّا النوع الثاني وهو "السلبي" يشير إلى اتباع الغير مع العلم بأضراره واعتراضه مع الفطرة والعقل والسنة، وهذا النوع الذي يسمى بــ "التقليد الأعمي".

أصبح "التقليد الأعمى" في الزمن الحاضر سمة بارزة وعلامة فارقة وظاهرة تدعو للقلق، حيث شاع بين أبنائنا وبناتنا وإخواننا وأخواتنا ظواهر غريبة وتصرفات مريبة وأشكال عجيبة، بل بات أشبه ما يكون بالهاجس الذي يؤرّق بعض المراهقين والمراهقات المعجبين بالنجوم والمشاهير من فنانين وممثلين ولاعبين وغيرهم، والتشبّه بسلوكياتهم وتصرفاتهم وأزيائهم دون النظر إلى صحة ما يقومون به ومدى توافقه مع مبادئ الدين الإسلامي وتناقضه مع أخلاقيات المجتمع وروح الأصالة، بل أضحت ظاهرة التشبّه بالآخرين في مجتمعنا تشكّل مفهوماً خاطئاً لما يسمى بــ "التمدّن الحضاري" في إشارة إلى متابعة كل جديد غير مألوف، مع تغيير المعنى الحقيقي لمعنى التحضّر الذي يشير إلى تفتح مدارك الإنسان لكل ما هو مفيد من النواحي الثقافية والاجتماعية والعلمية.

ويجب أن نتساءل هنا ! ما الذي يدفع أبناء هذا الجيل إلى الإرتماء في أحضان الغير والتشبّه بهم والاستخذاء لتصرفاتهم وأفعالهم وسلوكهم وتقليد ما يرتدونه من أزياء وما يروجون له من قصات للشعر وسلوكيات غير لائقة بأمة تنتهج الدين الإسلامي، ولا تتوافق وحضارة أحفاد من أسس أروع حضارة شهد لها التاريخ ونحن أصحاب أعظم رسالة عرفها الكون.

الحديث عن أسباب انتشار هذه الظاهرة في مجتمعنا يحتاج إلى تناول عدة جوانب تلامس بشكل أو بآخر القضية سواء كانت اجتماعية أو اقتصادية أو دينية أو ثقافية، ولا شك أن أولها يعود إلى ضعف الوازع الديني والانبهار بثقافات الغرب بشكل مبالغ فيه، والأمر الآخر البالغ الأهمية هو تخلي الأسرة عن القيام بدورها التربوي اتجاه الأبناء ومراقبة تصرفاتهم وملء الفراغ العاطفي الذي يعانوه. وأرجعت دراسات نفسية ذلك إلى شعور الفرد بالإنهزامية ومحاولة الانسلاخ من الهوية الأساسية، وأتذكر هنا مقولة ابن خلدون الشهيرة "الأمم المغلوبة تقلّد الأمم الغالبة"، ولا يمكن أن نتجاهل تأثر هذا الجيل بالتقنيات الحديثة ووسائل الاتصال السريعة والفضائيات المتنوعة في ظل غياب الدور الرقابي والتربوي وعدم تسليحهم بثقافة الاستخدام الأمثل لهذه التقنيات وإشغال أوقات فراغهم بما يعود عليهم بالنفع والفائدة.

بقي أن نقول أن التقليد كمصطلح ليس سيئاً ولا يكون دائماً أعمى، ولكنه يكون كذلك عندما يرتبط بممارسات دخيله على المجتمع ولا تقوده إلا إلى الانحلال وفقدان الهوية، بينما يكون التقليد في أحيان أخرى حسناً ومفيداً وهو ما يسمى بـ "التقليد البصير"، ويكون كذلك عندما يتم نقل آخر ما توصل إليه الآخرون إلى مجتمعاتنا للإستفادة منها في تحقيق الاستفادة في كافة المجالات، وإن كان التوجه الحالي يدعو إلى تبني مهارات الابتكار والتفكير الإبداعي والظفر بكل ما هو جديد ومفيد، ولا يحبّذ التقليد بكل أنواعه.

لا بد من انتشال ما تبقى من بقية عرق ينبض وبذرة فطرة كامنة، من خلال إيجاد حلول منطقية وملموسة لهذه الظاهرة عن طريق إشراك الشباب في أعمال يستثمر فيها طاقاتهم واحترام أفكارهم والحوار معهم ومناقشة توجهاتهم. كما أن الموقف يحتّم علينا التفكير في مشروع وطني للمحافظة – أو بالأحرى لإعادة – الهوية العربية، بالإضافة إلى أهمية قيام الإعلام بمسؤوليته العظيمة اتجاه أبناء المجتمع مع تكاتف المؤسسات الأخرى ذات العلاقة، وكذلك دور التعليم في المحافظة على الهوية الثقافية العربية في ظل العولمة. ونتطلّع إلى مستقبل مشرق تتبنى فيه أجيالنا "نُقلَّد ولا نُقلِّد".



· وفي الختام كان لابدّ من الإشارة إلى أن التقليد الأعمى يُشكل خطورة اجتماعية بالغة، لما لهُ من أخطار تهدد صفاء عاداتنا التي نعتز بها وقيمنا التي نشأنا عليها.






العدد الثالث
09/05/1432

نعم معك حق ...والأزمة في استمرار طالما نحن المسلمون لا نفكر في غزو غيرنا ثقافيا ...بينما كل العوالم تفكر في غزونا ودليل ذلك القنوات التلفزيونية الوافدة الناطقة بالعربية أو التي تنزل ترجمة عربية من روسيا وفرنسا وكوريا وغيرها من الدول الأعجمية
ربي يجيب الخير

اللهم ردنا إليك ردا جميلا

مشكور أخي أبو أويس على هذه الإلتفاتة المهمة

جزاك الله خيرا

مشكور

مشكوووووووووووووووووووووووووووووووووووور
بوركت

مشكوووووووووور
جزاك الله خيرا